«خرق» حزب الله حالة الاستعصاء الداخلية حول قانون الانتخابات، ونقل «الحدث» الى الحدود الجنوبية في توقيت مدروس جداً، يحمل في طياته اكثر من «رسالة» الى الخارج، في وقت تستمر الاطراف السياسية في الداخل بأداء رتيب «لمسلسل» البحث عن قانون الانتخاب، وسط ملل اللبنانيين من تكرار «مشاهد» حفظوها عن «ظهر قلب»، فيما يحاول البعض اضفاء بعض الحماسة من خلال استحضار ادوات الاستنهاض الطائفي علها تضفي بعض الحيوية على «العرض» المسرحي الباهت... فما جديد السيناريوهات المطروحة؟ ولماذا يشعر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع «بالقلق» من بعبدا؟ ولماذا اختار حزب الله اعادة «البوصلة» الى وجهتها الاصلية؟ ولماذا في هذا التوقيت؟   
ثمة عاملان اساسيان، «ورسالة»ردعية وراء توقيت هذه الجولة، المنسقة مع قيادة الجيش اللبناني وقوات اليونيفل، «الرسالة» ستترك اثارا سلبية على معنويات العدو لان الحزب اراد اظهار حضوره ويقظته على الحدود من خلال الكشف عن الإجراءات الجديدة المتّخذة من قبل الجيش الإسرائيلي عبر بناء تحصينات لمنع المقاومة من الدخول الى منطقة الجليل، وهو تحول استراتيجي في رؤية هيئة الأركان الإسرائيلية لمنطقة الجليل وتحويلها من أراض كانت  تستخدم منطلقا لشن هجوم  بري على لبنان إلى مناطق في حالة دفاع.
اما العامل الاول الحاسم في التوقيت، كما تقول اوساط مقربة من المقاومة فهو ان هذه «الجولة» تأتي في سياق الرد العملي على حملة تهويل قامت بها بعض الجهات الدولية، تحدثت عن وجود ضوء «اخضر» لاسرائيل لشن هجمات على لبنان، بعد الضربة الأميركية على مطار الشعيرات في سوريا، ولذلك كان لا بد من اظهار جهوزية المقاومة للرد على اي اعتداء، وكان من الضروري اظهار الجهوزية في هذا التوقيت الاقليمي والدولي الشديد التعقيد لمنع اسرائيل من القيام بأي مغامرة.
 

 «زيارات استخباراتية»


العامل الثاني يرتبط بالزيارات المتكرّرة لمسؤولين في أجهزة استخبارات غربية، خصوصاً الأميركية والأوروبية إلى لبنان، فقائد العمليات الخاصة الأميركية ريموند توماس  كان آخر الزائرين قبل ايام، وفي الفترة الأخيرة توجّه رئيس لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي الى لبنان، وسبقه قبلها مساعد مدير الـ «سي أي ايه»، وذلك بعد زيارة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس فضلاً عن الزيارات الدورية شبه الأسبوعية لوفود عسكرية أميركية تحمل طابعاً أمنياً استخبارياً، وهو ما طرح أسئلة حول مغزاها وتوقيتها، خصوصا ان بعض الاسئلة المركزية في لقاءات هؤلاء المسؤولين تمحورت حول ردود فعل حزب الله على الضغوط المالية المفترضة عليه، وكذلك التصعيد الممنهج من قبل ادارة ترامب مع طهران. وكان هناك اهتمام جدي بمعرفة مدى تأثر بنية حزب الله العسكرية والامنية نتيجة مشاركته في الحرب السورية. ولذلك كان لا بد من الرد على تلك «الزيارات» عمليا من خلال اظهار حضور حزب الله على كافة الجبهات وبشكل خاص على الجبهة الجنوبية... 
وفي هذا السياق اكد مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله محمد عفيف «للديار» ان توقيت الجولة الاعلامية جاء للرد على حملة «تهويلية» اسرائيلية ضد لبنان، «اردنا ان نثبت للاسرائيليين اننا جاهزون لكافة الاحتمالات، وفي  الوقت نفسه اردنا ان نفضح «هشاشة» الدعاية الاسرائيلية من خلال اظهار نقاط ضعفهم امام وسائل الاعلام من خلال الكشف عن الوضعية الدفاعية التي يقومون بها على الحدود، ونحن نريد اثبات ان انشغالنا في الحرب ضد التكفيريين لم يشغلنا عن القضية الاساس وهي الدفاع عن لبنان في مواجهة الاطماع الاسرائيلية»...
 

  خرق 1701؟!


وفيما رفض عفيف التعليق على انتقاد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع للجولة الاعلامية باعتبارها خرقا للقرار 1701 اكدت الاوساط المقربة من حزب الله ان تعبير «الحكيم» عن انزعاجه من الزيارة دليل نجاح، وما دام  هو منزعجاً فيعني ان الخطوة كانت في مكانها، ويعني ايضا انها ازعجت الاسرائيليين. لان السؤال اليوم هو كيف يمكن لفريق لبناني ان يشعر بالضيق من جولة تظهر ضعف العدو؟ «كنا ننتظر رد الفعل السلبي الاول والاخير من تل ابيب، المستغرب انه جاء من «معراب» التي لم تنتبه الى نقطة جوهرية واساسيةوهي ان المقاومة لم تنظم جولة على مواقع تابعة لها على الحدود، لكي تعتبر الامر «استفزازيا»، وانما كانت جولة «ردعية» تكشف انقلاب المشهد العسكري والامني على تلك الجبهة، وترسل الى اسرائيل رسالة مفادها اننا نرصد كل تحركاتكم. فاين مشكلة جعجع مع 1701؟ الا اذا كان قد اكتشف من خلال هذه الجولة ان حزب الله لا يزال موجودا على امتداد تلك الجبهة. وهذا الامر جيد؟ وبعد انضمام تيار المستقبل الى جعجع في انتقاد الجولة الاعلامية ووضعها في سياق الاستفزاز والاستقواء على اكثرية اللبنانيين، تسأل تلك الاوساط: اين الخطا الاستراتيجي اذا كانت الجولة كشفت، كيف بنى الجيش الاسرائيلي خلال  السنوات الثلاث الماضية دشما وتحصينات مرتفعة وجدراناً عازلة، من أجل صد أي هجوم لعناصر حزب الله، او لتأخير عملية السيطرة على الجليل؟ واين الخطأ الاستراتيجي من خلال الكشف عن هشاشة الاجراءات المتخذة مثلا في «مستوطنة حانيتا» مقابل قرية علما الشعب اللبنانية، حيث إضطر الجيش الإسرائيلي إلى تغيير ملامح المنطقة عبر إستحداث جرف أرض بعمق 10 أمتار، بسبب العجز عن حماية المنطقة بسبب طبيعتها الجغرافية المكشوفة...
وأين الخطأ الاستراتيجي اذا كان حزب الله لديه صور ومعلومات لم يعرضها، لاكثر من 10 نقاط مختلفة على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، توثق مواقع عسكرية ووسائل استخباراتية مكشوفة وخفية ورادارات ومعدات هندسية...؟ واين الخطأ اذا كان السكان في مثلث «شتولا» لا ينامون من «هاجس» صوت الحفريات تحت الأرض ويعتقدون ان حزب الله يحفر الخنادق؟ وهل ما يضير لبنان في ردع اسرائيل من خلال زيادة «شكوك» الاسرائيليين في انه بات قادراً على شن هجوم  عسكري على مناطق الجليل والسيطرة عليها. على عكس تأكيدات هيئة الأركان الاسرائيلية التي تتحدث دائماً، عن أن الأمور على الحدود مع لبنان تحت السيطرة.. في الخلاصة، تقول تلك الاوساط، اراد حزب الله ان يبلغ الجميع ان الحرب في سوريا لم تلهه عن القضية المركزية في قتال اسرائيل. جمع معلومات الامنية عن الانشطة العسكرية الإسرائيلية مستمر، وهو يتطور على صعيد المراقبة والإستطلاع اذ يترصد  تحركات جيش الاحتلال والأعمال الهندسية التي يقوم بها على طول الحدود. هي «رسالة» ردعية بامتياز في توقيت جرى اختياره بعناية شديدة.
 

 «لاءات» الرئيس وقلق»الحكيم»


«لاءات» رئيس الجمهورية الثلاث، اقلقت رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وابلغت اوساط مسيحية مطلعة على الاتصالات حول قانون الانتخابات، ان «الحكيم» يسعى لعقد لقاء قريب مع الرئيس لاستيضاح موقفه واسباب جزمه التوصل الى قانون انتخابي جديد على الرغم من تبلغه من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ان الامور لا تزال عند «نقطة الصفر»، ولم يتحقق اي نتائج جدية خلال اللقاء الرباعي في وزارة الخارجية قبل يومين... ويخشى جعجع ان يتحول «الاعجاب» الذي ابداه الرئيس عون بقانون النسبية وفق الدوائر الست الذي استعرض مزاياه نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في اللقاء الاخير في بعبدا الى «غرام»، ويخشى ان «يحشر» الرئيس الجميع في «الزاوية» بمن فيهم وزير الخارجية غير الموافق على المشروع... وفي هذا السياق تشير تلك الاوساط، الى ان رئيس الجمهورية انكب في الساعات القليلة الماضية على تشريح هذا الطرح الذي يعطي المسيحيين القدرة على انتخاب 52 نائبا بأصواتهم وكذلك المسلمين، وثمة من يعتقد ان رئيس الجمهورية قادر على تجاوزالتنسيق القائم بين «القوات» والتيار الوطني الحر في قانون الانتخاب، وفرض «حل» انقاذي يجنب البلاد «السقوط في الهاوية». وهو امر يبدو انه ازعج ايضا النائب وليد جنبلاط الذي رد على الرئيس دون ان يسميه مذكرا من خلال «تغريدة»، بأن ثمة قانوناً قائماً يمكن اجراء الانتخابات على اساسه.
وعلم ان الرئاسة الاولى مستاءة ايضا من «استخفاف» رئيس الحكومة سعد الحريري بخطورة الموقف من خلال عدم تفعيل اللجنة الوزارية الخاصة بدراسة قانون الانتخاب، وعدم رغبة الرئيس عون «بالصدام» في الوقت الراهن اجلت انعقاد مجلس الوزراء حيث تغيب اي بوادر جدية «للتفاهم» ويخشى ان يؤدي الامر إلى نتائج عكسية وسلبية».