واعتبر أنّ الاتحاد الاوروبي ليس سوى وسيلة لألمانيا لتتمسّك بالسلطة. وفي رسالته ايضاً شدّد تاسك على ضرورة المحافظة على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأنه يتوجب على الاتحاد الاوروبي أن يردّ على حملات ترامب الحمائية بتكثيف المحادثات التجارية مع بلدان اخرى خصوصاً أنّ الاتحاد الاوروبي يُعتبر ثاني اكبر مصدّر لواردات الولايات المتحدة الاميركية وهو ايضاً ثاني اكبر سوق تصدير للولايات المتحدة.
وكما وثق ريتشارد الدريتش من جامعة واريك عن أنّ الزعماء الاميركيين ومنذ هاري ترومان دعموا توحيد السياسات الاقتصادية والسياسية لأوروبا وهذا ليس فقط من خلال إنشاء خطة مارشال ومنظمة حلف شمال الاطلسي بعد الحرب العالمية الثانية، وإنما أيضاً من خلال الدعم السرّي والعلني للحركات الفيديرالية الاوروبية في أواخر الاربعينات والخمسينات.
والهدف المعروف لهذا الدعم هو خلق «الولايات المتحدة الأوروبية» التي سوف تساعد في مواجهة الاتحاد السوڤياتي وانتشار الشيوعية وتجدد العدوان الالماني كما في السابق. ونعلم أنّ باراك أوباما شجّع هذه الامور عندما توجّه الى المملكة المتحدة في الربيع الماضي من اجل تشجيع حملة ضد مغادرة بريطانيا الاتحاد الاوروبي. لكن، من الواضح أنّ ترامب لا يشارك أوباما الرأي، والزعماء الاوروبيون على يقين بهذه الحقيقة.
وكما قالت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل «الاوروبيون مصيرهم في أيديهم «لذلك من الواضح أنّ اوروبا قلقة من تصريحات دونالد ترامب لا سيما تجاه الناتو وبعد وصفه إياها بعفى عليها الزمن وقوله إنّ خمس دول فقط تساهم في ميزانيتها الدفاعية من اصل ٢٢ دولة، وهي الولايات المتحدة واليونان واستونيا وبولند والمملكة المتحدة.
وسياسة ترامب المتناقضة حول اوروبا والناتو وروسيا ودعمه لخروج المملكة المتحدة أمور تساعد على زيادة القلق ليس فقط في الاتحاد الاوروبي والناتو إنما ايضاً في روسيا ولا تتناسب مع رئيس الولايات المتحدة الاميركية وتدخله في السياسة الداخلية للبلدان الاخرى بصورة مباشرة تماماً حسب جون كيري وزير الخارجية الاميركية السابق في معرض حديثه عن دونالد ترامب وانتخابه وتصريحاته.
هذا والامر لا يقتصر فقط على روسيا واوروبا إنما يشكل خطراً على الاقتصاد العالمي. هذا وحسب وكالة التصنيف الائتماني فيتش والتي أصدرت تقريراً منذ شهرين تقريباً تسمّي فيه البيت الابيض تحت رئاسة ترامب بالتهديد المباشر للاقتصاد العالمي وإنه سبب وجيه في تراجعه.
هذا وقال فريق من المحللين برئاسة المدير العام جيمس ماكورماك إنّ عدم إمكانية التنبّؤ بالسياسة الاميركية فضلاً عن رغبة ترامب في كسر العديد من الالتزامات الدولية تزعزع استقرار الأسواق العالمية. وموقف ترامب من الهجرة -دائماً حسب فيتش- والتجارة قد يغيّر العلاقات التجارية ويبطِئها.
ويشير الى انخفاض تدفق رؤوس الاموال الدولية وتحويلات العاملين بالخارج ويؤثر في العملات ويساهم الى حدّ بعيد في تقلّب الأسواق؛ وبين الدول المعرّضة لهكذا خطر سمّت ڤيتش عدداً لا بأس به من الدول لا سيما كندا والصين والمانيا واليابان والمكسيك والبرازيل والمملكة المتحدة وغيرها.
باختصار وحسب ڤيتش أمور كثيرة قد تتغيّر لكنّ اللهجة الحادة لبعض المسؤولين الاميركيين لا تبشّر بأنّ فترة المفاوضات المقبلة قد تكون سهلة ولا توحي بأنّ هناك مجالاً أمام تسويات سياسية وكون ترامب كسر «معايير» المعمول بها في العلاقات الدولية.
وفيتش هي إحدى ثلاث وكالات تقدير درجة الجدارة الائتمانية للحكومات على أساس قدرتها الواضحة على سداد الديون، وقالت في بيان شديد اللهجة إنّ الادارة الاميركية الجديدة قد تؤدي الى قلب تلك النتائج المعروفة بـ Sovereign ratings، والدول والتي يُعتبر تصنيفها الأكثر تهديدًا هي تلك المقرّبة بعلاقتها الاقتصادية والمالية مع الولايات المتحدة.
وتبدو الصورة واضحة أقله لغاية الآن لا سيما وأنّ أوّل مئة يوم من عهد ترامب اظهرت الكثير من التقلبات في الرأي والمواقف ممّا يعني الكثير للمستثمرين وأقله عدم اليقين عن كيفية سير الأمور والسياسات التي تؤثر بشكل مباشر وواضح في الاسواق، وهي حالة يكرهها المستثمرون عادة وتساعد على الإضرار بالنموّ الذي تكون له تداعيات كبيرة على أميركا وأوروبا والصين تؤدّي الى زعزعة استقرار العديد من الدول التي ما زالت ولغايته تواجه تبعات الأزمة المالية العالمية والتي حدثت في العام ٢٠٠٨.
ويساعد في تصدّع المشهد عالمياً شؤون أخرى قد تكون اهمها سلسلة من الانتخابات وبروز الحركات الشعبوية لا سيما في فرنسا وايطاليا، ولاحقاً مع حلول ايلول في المانيا، ناهيك عن أمور أخرى في أوروبا سوف تقرّر إذا ما نجح مستقبل الاتحاد.
أما الأمر الملحوظ عالمياً والذي وعلى ما يبدو يحظى إما تجاهلاً من ترامب أو عدم إدراك لمدى أهميته وسياسته المتبعة «أميركا أولًا» قد تبدو مضرة للاقتصاد العالمي لا سيما تجاهله مدى تكامل النظام الاقتصادي المالي الاميركي مع بقية العالم الأمر الذي يطرح خطراً حقيقياً ويمكن أن يزعزع الاقتصاد العالمي مع عواقب مشؤومة في انتعاش الاقتصاد الاميركي.
والأسوأ من ذلك أنّ ترامب سيستمر في إرسال اشارات مقلقة من خلال التعيينات التي يقوم بها في المراكز الحساسة لا سيما في مواقع اقتصادية رئيسية ممّا يعني أنه جادّ بشأن الحاجة الى مراجعة عدة أمور قد يكون اهمها الـ NAFTA والتعريفات الجمركية وتخفيض الضرائب وزيادة الانفاق على البنية التحتية ما سوف يجبر الفيديرالي الاميركي على رفع الفوائد ولأكثر من مرة هذا العام.
وبالمختصر إنها جملة أمور باتت تتحكّم بالاقتصاد العالمي وتلقي بظلالها على الاسواق والفوائد والمستثمرين ما يجعل من الصعب التنبّؤ بالمؤشرات الاقتصادية والتي باتت عشوائية وغير تقليدية.