دار جدلٌ، منذ مدّة قصيرة، حول الزواج المبكِّر وحول ضرورته، لا سيّما أنّه يحمي شباب المجتمع من الوقوع في الرّذيلة، وبالتّالي يحافظ على مؤسسة الزواج التي هي أكثر من ضروريّة في مجتمعنا الشّرقي.
بدايةً، أنا من الذين يدعون إلى الزواج، وأحثُّ كلّ من هو قادرٌ أن يتزوج، أن لا يتأخر في الزّواج، بل أكثر من ذلك، أنا مع الزواج حتى لو فشل، بل حتى لو فشل أكثر من مرّة، وأنا ممّن ينصح الجميع، ذكرانًا وإناثًا، أن لا يضعوا شروطًا تعجيزيّة في الآخر، قد لا تتوافر الا نادرًا، أو حتى قد لا تتوافر بالمرّة، فالإنسان، وبعد التجربة، لا يعرف بالضبط ما الذي يقرِّبه من شخص آخرٍ، فأسباب الكيمياء البشريّة بين شخصين تبقى مجهولةً، في جزءٍ كبيرٍ منها، وإن كان بإمكان المرء، في لحظة تأمّل أن يُحدِّد صفاتٍ معيّنةً، يعتقد أنّها السبب الذي يجمعه بالآخر. لكن، في الحقيقة، ومهما حاولنا أن نحلّل الأسباب، فإنّها تبقى مجهولةً وغامضةً الى حدٍّ كبير. طبعًا، هذا لا يعني أن يندفع المرء لأن يتزوّج كيفما كان؛ لأنّه يكون بذلك كمن يلعب بكلّ ما يملك، فقد يُصيب، لكن الأرجح أنّه لن يُصيب.
إقرأ أيضًا: الزواج المبكر بين الدين والواقع
من هنا، فإنّ مناشدات البعض، لا سيّما صديقاتي على الفيسبوك، لبنات جنسهنَّ، أن لا يتزوّجن من أنصاف الرّجال وأشباههم، لكن ما العمل اذا صار الرّجال هكذا؟ ما العمل اذا بات الرَجل الرّجل نادرًا جدًّا؟ ثمّ من قال أنّه بإمكاننا أن نشخص أشباه الرّجال وأنصافهم بسهولة. وهناك سؤالٌ يُطرح: هل يُولدُ الرّجل رجلًا أم يصير كذلك بعد معاناةٍ ومواقف صعبة يمرُّ فيها؟ في رأيي، أنّ الرّجل يصنع نفسه، والمرأة لها دورٌ كبير في هذه الصناعة.
تواجهنا في الزّواج المبكِّر مشكلة الفرق بين النُّضج الفيزيولوجي أو الطبيعي، والنّضج الإجتماعي، ربما لا يتغيّر النّضج الطبيعي كثيرًا من جيلٍ الى جيلٍ، لكنّ النّضج الاجتماعي يتغيّر كثيرًا، والفرق بين النّضجين حاليًّا قد يصل الى عشرين سنة أو أكثر، فمنْ منّا يستطيع أن يكون أهلًا للزواج قبل الثلاثين من العمر؟ ومن منّا يقبل، إذا أُتيح له أن يتدخّل، أن يقبل بتزويج ابنه أو ابنته قبل إنهاء الدراسة الجامعيّة وقبل أن يستقرّ في مهنةٍ وقبل أن يؤمِّن بيتًا بالحد الأدنى؟
وبما أنّ متطلّبات الزواج تكبُر من يومٍ الى يومٍ مع أنّ النّضج الطبيعي لا يتغيّر، فإنّ التأخّر في الزواج بات أمرًا واقعًا، لا سيّما عند من لا يتلقّى أي مساعدة من أهله، لكن، للتأخّر في الزواج آثارًا سلبيّة. من هنا، نرى أنّه من الواجب أن يتدخل الأهل، وأن تتدخّل الدولة، وأن تتدخّل جمعيّات المجتمع المدنيّ للمساعدة في ذلك، والا وقعنا في الرّذيلة وأحيانًا في العزوف عن الزواج كلّيًّا. وربما بسبب كثرة أعباء الحياة، باتت العلاقات المثليّة، لا سيّما بين البنات، ظاهرةً خطيرةً، ولا بدّ من التنبّه لها.
إقرأ أيضًا: تشجيع الزواج المبكر ورفض المساواة: كيف يمكن تفسير خطابي نصرالله وخامنئي؟
لا يقوم المجتمع من دون مؤسسة الزواج، ولا يبدع المرء من دون علاقة ما بالجنس الآخر، ولا يتحقق الزواج من دون تأمين شروطه الدنيا، والا وقعنا في أبغض الحلال. لذا، بات العمل ضروريًّا للمساهمة في حل هذه المشكلة، وعلى الدّولة الكثير، وبإستطاعتها أن تفعل الكثير، لا سيّما في محاولة إستخدام مشاعاتها للضغط من أجل تخفيض أسعار العقارات.
وأخيرًا نقول العلم ضرورة والشغل ضرورة والابداع ضرورة وتحقيق الذات ضرورة...، لكن علينا أن لا ننسى أنّ الزواج أكثر من ضرورة، وأنّ الحياة لا معنى لها من دون علاقة بالجنس الآخر، وأنّها لا معنى لها من دون عائلة، لذا، علينا أن نعمل جميعًا لحل هذه المشكلة قبل فوات الأوان، والا انتشرت الرّذيلة بشتّى أنواعها، والمخدّرات والسرقات والإجرام...الخ، ولا يعتقدنّ أحدٌ أنّه اذا تيسّرت معه وتزوج، فقد نجا؛ لأنّ السفينة، عندما تغرق في عرض البحر، فهي لا تستثني أحدًا.
الدكتور جمال نعيم