مرّ الأسبوع الأول من الشهر المخصص للاتفاق على قانون انتخابات، من دون إحراز أي تقدم يُذكر، باستثناء سقوط صيغة جديدة تبناها وزير الخارجية جبران باسيل، أي صيغة «التأهيل الطائفي». لا اللجنة الوزارية التي شُكلت اجتمعت، ولا الأفرقاء المعنيون تحملوا مسؤولياتهم. لا بل يمكن القول في خلاصة مباحثات أمس أن متاهة حقيقية أضيفت إلى متاهة قانون الانتخاب، اسمها مجلس الشيوخ. ففي وقت تعجز فيه القوى السياسية عن الاتفاق على قانون انتخاب للمجلس النيابي، خرج أرنب مجلس الشيوخ، ليضيف مشكلة جديدة إلى الأزمة المعقّدة.
وعليه يفترض تضييع المزيد من الوقت الآن في البحث المتعلق بمجلس الشيوخ غير الموجود على حساب البحث الجدي في قانون انتخاب مجلس النواب، ليصار إلى وضعه جانباً بعد أسبوع وإخراج أرنب آخر. والواضح في هذا السياق أن لا أحد يستشعر الخطر المحدق بالبلد في حال الاستمرار بتضييع الوقت، ما دام يؤيد فريق الفراغ، ويتمسك فريق آخر بالتمديد بدل الفراغ. علماً أن الفراغ والتمديد لا يهددان شيئاً أولاً وأخيراً أكثر من العهد الجديد. فالفراغ في السلطة التشريعية سيدخل العهد فوراً في النقاشات العبثية بشأن شرعية الحكومة قبل أن يأخذ البلاد بخلال ثلاثة أشهر إلى انتخابات نيابية وفق قانون الستين خلافاً لما ذكره الرئيس ميشال عون في خطاب القسم.
أما سيناريو التمديد فسيطيح كل الآمال ويؤدي إلى تصادم كبير بين رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي. وعليه، ثمة أزمة كبيرة تلوح في الأفق في حال عدم الاتفاق على قانون الانتخاب، لكن الوزير جبران باسيل يجد نفسه مرتاحاً إلى درجة القول إنه يريد كشف النيات. علماً أن اللبنانيين يعلمون جيداً نيات جميع سياسييهم ولا يحتاجون من يكشفها لهم، لكنهم يتطلعون إلى دبلوماسية سياسية تدوّر الزوايا بدل أن تزيدها حدة. والواضح أن الخطاب المذهبي الذي استُخدِم في التعبئة السياسية في الأسابيع الماضية، أظهر في اليومين الماضيين عدة حالات نافرة في عصبيتها لم تجد بعد من يضبطها، في ظل استفادة القوات اللبنانية من كل ما يحصل لإقناع جمهور التيار الوطني الحر بأن حزب الله يقف في وجه الحقوق المسيحية، من دون أن يخرج صوت واحد من التيار الوطني الحر ليعترض على الأداء القواتي.
أما الاجتماع الرباعي (التيار الوطني الحر، المستقبل، حزب الله، حركة امل) مساء أمس في وزارة الخارجية، فحددت قناة «أو تي في» هدفين له: «تركيز الأجوبة المعطاة لباسيل سابقاً بشأن التأهيلي وتثبيتها، وأخذ بعض الملاحظات القديمة والمستجدة بالاعتبار». علماً أن الأجوبة سبق أن وصلت من المستقبل والقوات والاشتراكي وحركة أمل برفض التأهيلي بالمطلق من دون إبداء أية ملاحظات، سواء قديمة أو مستجدة. فالرئيس نبيه بري أبلغ من راجعه أمس بتراجعه عن كل الصيغ التي اقترحها مسبقاً لمصلحة النسبية المطلقة حصراً. وعلمت «الأخبار» أن النسبية الكاملة عادت لتتقدّم في النقاشات الثنائية بين القوى السياسية، بعد سقوط «التأهيلي»، رغم أن القوات والتيار الوطني الحر لا يزالان يصران في اجتماعاتهما الثنائية على رفض النسبية المطلقة. فيما نقلت قناة «أو تي في» مساء أمس عن مصادر نيابية قولها إن «النسبية تتقدّم». لكن هذا التقدم، بحسب مصادر «الأخبار»، لا يزال يقتصر على نقاشات «ثنائية» بين القوى السياسية، ولم يتحوّل بعد إلى طرح مشترك بين مختلف القوى.
وبمعزل عما يسرب في الإعلام، الأكيد أن تيار المستقبل لا يريد شيئاً أكثر من التمديد ريثما يستعيد عافيته المالية والتنظيمية والسياسية والإعلامية. وقال النائب عقاب صقر أمس في مقابلة على قناة «المستقبل» عن مشروع الوزير جبران باسيل الانتخابي: «إننا بصدد قانون انتخابي ممسوخ يشبه الدولة الممسوخة، ونحن لا نعيش فترة ولادة قانون جديد، فعندما يتعطل التوافق نذهب إلى التعطيل، وهذا تم اعتماده في انتخابات رئاسة الجمهورية واليوم يعتمد مع قانون الانتخابات النيابية». ووجّه صقر سهام انتقاداته نحو تيار المستقبل، مؤكداً أن منطق «تعطيل حزب الله تسرب إلى حزب القوات اللبنانية التي صارت تريد أن تقفل الطرقات لتعطيل المؤسسات الدستورية».
ولا تنتهي الأزمة في ما سبق. فالمصادر السياسية تحدثت عن تجميد التيار الوطني الحر اجتماعات مجلس الوزراء ريثما يصار إلى الاتفاق على قانون جديد للانتخابات. في وقت قال الرئيس نبيه بري للمشاركين في لقاء الأربعاء إنه تسلم مشروع قانون الموازنة الذي لا يتضمن سلسلة الرتب والرواتب وأحاله فوراً على لجنة المال والموازنة للمباشرة بدرسه، أكّد أن السلسلة مدرجة أصلاً على جدول أعمال جلسة 15 أيار المقبل التي لن تكون مخصصة للتمديد فقط كما يبدو. وجدد رئيس المجلس القول إن الفراغ يعني الموت وذهاب البلد إلى المجهول.