صحيح أن نظرية ولاية الفقيه السياسية حديثة على المستوى الشيعي وأن الفقيه الشيعي لم يكن يحلم بتولي السلطة ولم يكن مستعدًا لها لا نظريًا ولا فعليًا حتى وقت قريب أي ما يقرب على نصف قرن بالرغم من أن البنية النظرية لولاية الفقيه تم تدشينها من قبل علماء شيعة لبنانيين من أمثال المحقق الكركي هاجروا إلى إيران في العهد الصفوي لتعزيز التشيع هناك بعد ما تحول التشيع إلى المذهب الرسمي لإيران، ولكن تلك العملية ( تدشين نظرية ولاية الفقيه) لم تؤدي إلى زعزعة أركان السلطان أو الملكية الإيرانية، حيث أنها كانت تتجه إلى تعزيز موقع الفقهاء في مواجهة الصوفية المتغلغلة إلى البلاط كمنافسين للفقهاء.
كما أن التأسيس الدستوري لهذه النظرية في الدستور الإيراني بعد الثورة الإسلامية لم يمنح شيئًا لشخصية الإمام الخميني الكاريزمائية حيث أنه كان زعيمًا وطنيًا بغض النظر عن موقعه كفقيه، وعليه لم يحكم البلاد من موقع ولي الفقيه الذي يجب طاعته شرعيًا أودستوريًا.
إقرأ أيضًا: أمريكا لروسيا: إختاري قدرًا بين إثنين
صحيح أن خليفة الخميني لم يملك تلك الكاريزما التي كان يملكها الخميني ولكنه كان حسن الحظ، لأن أوضاع البلاد المتوترة بعد وفاة الخميني وخاصة عدم حسم الحرب العراقية الإيرانية التي قد وصلت آنذاك إلى الهدنة دفعت بالقياديين إلى الإتفاق على آية الله خامنئي الذي كان رئيسًا للبلاد، وعانى خامنئي في الفترة الطويلة لولايته من مشاكل كثيرة وكبيرة كونه لا يملك تلك الكاريزمائية التي يملكها الخميني.
والدليل على ذلك هو أن الخميني كان فوق القانون والمساءلة والجميع كان ملتزما بطاعته ولكن خليفته لا يستطيع إلا أن يلعب في دائرة القانون، وكمثال واضح عند ما أكد الخميني في العام 1988 بأنه ليس مقتنعًا برأي الرئيس خامنئي حول صلاحيات الدولة الإسلامية سارع الأخير إلى التراجع عن رأيه وطمأن الخميني بالسمع والطاعة ولكن عند ما طلب خامنئي من الرئيس أحمدي نجاد عدم الترشح للرئاسة تجاهل الأخير هذا الطلب وسجل للإنتخابات الرئاسية مما يعني بأن ولي الفقيه لم يعد ذاك الذي يُعتبر خليفة الإمام المعصوم، وبطبيعة الحال يتم نقل تلك المشاكل إلى خليفة خامنئي الذي لم يملك تلك الخبرة التي كان يملكها هو عند ما أصبح ولي الفقيه في العام 1989.
إقرأ أيضًا: هل يخسر ظريف الكرسي الوزاري بإنتخاب الرئيس الجديد؟
إن ما يقال عن تدهور صحة المرشد الأعلى السيد خامنئي ليس جديدًا وأن الرجل يعاني من مرض سرطان البروستاتا منذ أعوام، ولكن الأهم من صحة ولي الفقيه هي صحة ولاية الفقيه في ظل غياب رجل يملك من الكاريزما ما كان الخميني يملكه من الخبرة أو ما كان يملكه خامنئي في ظل تلك الخبرة حيث تمكن خامنئي من اجتياز عقبات كثيرة ومنها الوقوع في فخ التحالف مع صدام حسين بعد غزو الكويت بينما شخصيات ثورية إيرانية عبروا عن رأيهم بضرورة الإنحياز إلى معسكر صدام حسين ومعارضة الولايات المتحدة ولكن رفض خامنئي رأيهم وقرر دعم الكويت وفتح الحدود أمام اللاجئين الكويتيين.
نضيف إلى مشكلة غياب شخصية قيادية بمستوى خامنئي أدى إلى صراع المرشحيين على القيادة، حيث يبدو منذ الآن أن من المستحيل اتفاق الأغلبية على مرشح من بين المرشحين المعارضين، وسوف تشهد إيران صراعًا على القيادة يؤكد على أن وضع ولاية الفقيه متدهور أكثر من ولي الفقيه الحالي.
سوف نتناول موضوع الصراع على القيادة.