اذا كانت الطبيعة الانسانية خيّرة بذاتها، وعاقلة، وبها تميّز الانسان عن باقي الكائنات الحيّة، فما هو سبب ظواهر العنف والتوحّش في الحروب، سواء كانت حروبًا تاريخية أو معاصرة، وخاصة تلك الحروب الكاشفة عن مخالفة واضحة لهذه الطبيعة الإنسانية التي تحدّث عنها الفلاسفة والمفكرون، ليست ظواهر عادية فحسب، بل هي إيغال في التوحش والبهيمية.
هذا يستدعي تجاوز النظرة الظاهرية النمطية للحرب، كما تُقدّم للجماهير من جانب المتقاتلين، إلى الإيغال في عمق الطبيعة الانسانية المعنيّة بالحرب مباشرة، والتي يصدر عنها العنف والوحشية، لنطرح السؤال التالي: هل صحيح أن الطبيعة الإنسانية خيّرة بذاتها، أم هي صناعة ظروف إجتماعية ومعطيات فكرية؟
بعبارة أخرى الطبيعة الخيّرة لا يصدر عنها إلا الخير، والطبيعة الشريرة لا يصدر عنها إلا الشر، إذن فما هي هذه الطبيعة الإنسانية التي يصدر عنها الخير تارة وتارة أخرى الشر؟
إقرا أيضا: من يصنع العقل اللبناني؟
قد دُرست مشكلة الجريمة قديمًا وحديثًا من زوايا متعددة، حيث تناولتها دراسات علمية متنوعة:
طب، وفلسفة، وعلم النفس، وعلم إجتماع، والقانون وغيرها، وبالتالي تعددت وجهات النظر بشأنها، فمن قائل أن الجريمة مشكلة إجتماعية إلى قائل أنها مشكلة نفسية ووراثية، إلى قائل بغير هذا وذاك ولكن أحدًا لم يتمكن بعد من التدليل على وجهة نظره وإثباتها علميًا يمكن الأخذ به وتطبيقه في كافة الظروف والأحوال.
إلا أن هذه المشكلة أو الإشكالية ما زالت متعلقة بجوهر الطبيعة الإنسانية، وبعوامل تشكّل هذه الطبيعة، إذ أنه ليس هناك عامل محدّد يختص بصناعة الجريمة في الطبيعة الإنسانية، بل هناك عوامل متداخلة منها عضوية وإجتماعية وثقافية ونفسية، وثمة عوامل مشتركة.
أما على مستوى النص الديني نرى أن الله قد تحدّث عن خلق طبيعة إنسانية تحمل في ذاتها إستعداد وعوامل الإنحراف، حيث قال في سورة المعارج: " إن الانسان خلق هلوعًا إذا مسه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا، إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون .....".
تحدّث الله عن طبيعة إنسانية مستعدة للإنحراف، والإنحراف له عدة أوجه منها الجريمة والعنف والتوحش، ولكن ثمة إستثناء لبعض الطبائع وهي التي تلتزم الصلة بالله بما هو خير مطلق، لتستلهم منه الخير، والصلة بالله لها شروطها وطرقها وليس مجرّد معرفة أو إقرار بوجوده وإقامة بعض الشعائر الصورية، بل إن الصلة بالله التي تضمن عندم إنحراف الطبيعة الإنسانية، بمعنى حضور الله في النفس حضورًا دائما يكون هذا الحضور هو المحرّك للطبيعة الإنسانية، هذا هو الإستثناء الذي ذكره الله حيث قال : " إلا الذين هم على علاقة دائمة بالله مصدر الخير.
إقرا أيضا: ١٣نيسان الحرب العبثية هل تعاد؟
من معاني الصلاة بالإضافة إلى معناها المشهور والمتداول بكثرة الذي هو السجود والركوع، لها معنى الملازمة، تصلى نارًا حامية، سيصلى نارًا ذات لهب، وقد سمي الفرس الثاني في السباق مصليًا ولها معانٍ أخرى مثل الدعاء، وأيضًا الصلاة تعني دين وعبادة.
وليست الملازمة والصلة بالله مقتصرة على جماعة من الناس، بل عامة مطلقة تشمل جميع خلق الله، لذلك إن هذه الصلة تنفع وتؤثر بالطبيعة الإنسانية بما هي طبيعة للنوع الإنساني.