سلط قرار إغلاق رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ما يسمى “الهيئة الاقتصادية” التابعة للتيار الصدري الذي يتزعمه، محرّما أي عمل مالي وتجاري مع الحكومة العراقية على أنصاره، الضوء على الآليات التي تعتمدها الأطراف السياسية العراقية في إدارة مصالحها المالية في الحكومة، ما يسبب حرجا للأحزاب السياسية المتنفذة التي تمتلك هيئات ولجانا غير رسمية تقوم بالدور نفسه.
وقال الصدر، في بيان ممهور بختمه وزع في بغداد الأحد، “استكمالا لمشروع الإصلاح العام والخاص أجد لزاما إصدار قرار مفاده ما يأتي: يحرم ويمنع أي عمل مالي أو تجاري أو حكومي، لذا اقتضى إغلاق الهيئة الاقتصادية التابعة للتيار الصدري فورا ومن دون تأخير”.
ولدى معظم الأحزاب التي شاركت في الحكومات العراقية المتعاقبة هيئات اقتصادية غير رسمية، تتحكم في جميع الأمور المالية والتجارية في الوزارات التي تقع ضمن حصتها، في إطار نظام المحاصصة المتبع في تشكيل الوزارة منذ 2005.
وتتولى هذه اللجان والهيئات تحديد الشركات التي تتعامل معها وزارة ما، وإحالة عقود المشاريع إليها وتحديد قيمة المناصب الكبيرة في كل وزارة أو مؤسسة حكومية وتعيين صغار الموظفين في دوائر الدولة.
ويعرف مدراء الشركات في العراق أن مفاوضة وزير ما للحصول على عقد تنفيذ أي مشروع ربما أمر غير مجد، والأولى الحصول على موافقة الهيئة الاقتصادية.
ووفقا للمعلومات المتاحة في هذا الشأن، فإن معظم قادة الأحزاب التي تحصل على وزارة أو أكثر في الحكومة، يضعون أقارب لهم على رأس لجانهم الاقتصادية لأنهم لا يثقون في الوزراء الذين يمثلونهم في الحكومة.
ويعترف الصدر في بيانه بأن كل ما تقوم به الهيئة الاقتصادية في تياره يقع “ضمن الفساد والتلاعب بقوت الشعب الذي عانى الأمرين من سوء التصرفات المالية”. لكنه يقول إن هذه الهيئة استخدمت للنيل من سمعة آل الصدر وإن أعضاءها انتفعوا منها انتفاعا شخصيا.
واتهم قياديون في التيار الصدري بالثراء غير المشروع والاستيلاء على أراض حكومية بأسعار زهيدة وتقسيمها وبيعها، الأمر الذي أثار زعيم التيار لإعلاء البراءة منهم.
وتمت تصفية قيادات وصفت بالمرتدة والخارجة عن إرادة آل الصدر في الفترة الأخيرة، من دون أن تعرف الميليشيات التي ارتكبت عمليات الاغتيال. ويمثل إعلان الصدر هذا اعترافا صريحا بوجود نمط سري لإدارة ملفات الفساد في العراق، ما يسبب الحرج لجميع الأطراف التي شاركت في الحكومات العراقية.
ويشتكي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من الدور السلبي الذي تلعبه الهيئات الاقتصادية التابعة للأحزاب في مؤسسات الدولة الرسمية.
وفي أكتوبر من العام الماضي أقر العبادي توصيات قدمتها هيئة النزاهة لمعالجة هذا الملف. ولكن مراقبين في بغداد يعتقدون أن أي إجراءات نيابية لمكافحة الفساد لن تكون ناجعة، لأن مجلس النواب هو مجرد انعكاس للواقع الحزبي الفاسد في العراق. وسمح نظام المحاصصة للأحزاب والكتل الدينية ــ السياسية بتقاسم الغنائم التي هي ثروات البلاد. وقد تم تنظيم ذلك الأمر وفق آلية منضبطة تمنع وقوع احتكاك أو تصادم بين مصالح تلك الأطراف وذلك من خلال تحديد مناطق النفوذ، بحيث تكون الوزارات ذات الإيرادات الأعلى من حصة الأحزاب الأقوى أما الوزارات الفقيرة كوزارة الثقافة مثلا فإنها سلمت مرات عديدة لحزب سني ثانوي.
واعتبر كاتب سياسي عراقي أن القرارات الحقيقية للدولة لا تُتخذ من داخلها. وهي ظاهرة تشير إلى وجود الدولة الخفية التي تتحكم بشؤون الدولة العلنية وتسيطر على مواردها المالية.
وعزا في تصريح لـ”العرب” الإجراء الذي اتخذه الصدر إلى إخضاع أثرياء تياره الذين صاروا بحكم ثرواتهم أقوى منه.