بعد امتصاص صدمة “توماهوك”، تسعى روسيا لاستعادة زمام الأمور والتسريع في العملية السياسية في سوريا، لإدراكها أن إطالة عمر الأزمة لن تصب في صالحها، فقد يعود التصعيد العسكري إلى الواجهة، ويبدو أن ما تم التوصل إليه خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يشجع موسكو على إعادة العمل بمسار أستانة.
 

كرس الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية كل من روسيا وإيران وسوريا الانطباع القائل إن المواجهة المقبلة ستكون بالأساس دبلوماسية وليست عسكرية، مثلما ذهب البعض عقب الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية في حمص الجمعة الماضية، ردا على هجوم كيماوي على مدينة خان شيخون في إدلب.

وهناك العديد من المؤشرات السابقة التي أوحت بهذا الانطباع، ومنها أن الاجتماع الذي وقع الجمعة في موسكو ضم وزراء الخارجية وليس الدفاع، وهذا يذكر باللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية الدول الثلاث في العام 2013، بعيد التلويح الأميركي باستهداف النظام السوري ردا على قصف بالكيماوي استهدف منطقة الغوطة الشرقية وراح ضحيته المئات من المدنيين.

وانتهى ذلك اللقاء لصالح تبني اتفاق روسي أميركي لنزع أسلحة دمشق الكيماوية، ولا يستبعد مراقبون أن يكون التصعيد العسكري الأميركي الذي حصل في حمص مقدمة لتوافق سياسي وهذا أسلوب معهود في السياسة الدولية.

وقال لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيريه السوري وليد المعلم والإيراني محمد جواد ظريف في موسكو “أكدنا خلال اللقاء موقفنا الموحد بأن الضربة الأميركية لسوريا تمثل عملا عدوانيا وانتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.

وأعلن وزير الخارجية الروسي أن موسكو ودمشق وطهران تطالب واشنطن باحترام سيادة سوريا وبالتخلي عن القيام بخطوات تهدد الأمن في المنطقة والعالم.

وأشار الوزير الروسي إلى توفر شهادات عديدة تدل على أن استعمال الكيميائي في إدلب كان مسألة مفبركة، مضيفا أن “محاولات عرقلة الاقتراح الروسي الإيراني الخاص بإجراء تحقيق موضوعي تدل على أن الجهات التي تقف وراء هذه المحاولات غير نزيهة”.

وشدد على أن روسيا وسوريا وإيران تصر على إجراء تحقيق موضوعي ودقيق في استعمال أسلحة كيميائية في خان شيخون، وذلك من قبل وفد يضم خبراء من دول مختلفة تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مضيفا أن موسكو وطهران رحبتا باستعداد دمشق استقبال مثل هذا الوفد من الخبراء.

وأكد وزير الخارجية الروسي أن الوزراء الثلاثة بحثوا التحضير لعقد اجتماع جديد حول سوريا في أستانة مطلع مايو المقبل، مشيرا إلى أن خبراء من روسيا وإيران وتركيا سيجرون الأسبوع المقبل في طهران مشاورات في إطار عملية أستانة. واعتبر أن محاولات تغيير النظام السوري بالقوة لن تنجح.

ومن جهته، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن دمشق تطالب بتحقيق دولي نزيه حول حادث خان شيخون وأنها “لن توافق على إجراء تحقيق من الأراضي التركية”. وأشار المعلم إلى أنه بحث مع نظيريه الروسي والإيراني أنباء حول خطة بعض الدول بفتح جبهة جديدة ضد الجيش السوري في جنوب البلاد.

وشنت فصائل المعارضة الجمعة، هجوما على آخر مواقع القوات السورية على أطراف حي المنشية في مدينة درعا وتمكنت من بسط سيطرتها عليه بشكل كامل، بعد حوالي شهرين من معركة “الموت ولا المذلة”.

الوزير محمد جواد ظريف وجه هو الآخر، في المؤتمر الصحافي، سيلا من الانتقادات إلى واشنطن، مشددا على أن عملية أستانة يجب أن تصبح أساسا لتسوية الأزمة، معربا عن أمله في أن تتعاون تركيا بهذا الشأن.

وعملية أستانة التي انطلقت في يناير الماضي وتهدف إلى تثبيت اتفاق وقف لإطلاق النار (تم عقب اتفاق روسي تركي على تسليم حلب للنظام) شهدت تعطلا على خلفية تباين وجهات النظر بين حلفاء الأسد وأنقرة، التي إلى الآن لا تملك استراتيجية واضحة للتعاطي مع الشأن السوري وتبدو مواقفها مرتبكة وخاضعة لمزاج الجانب الأميركي المتقلب.

ويرى متابعون أن طرح وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا لاستئناف مسار أستانة يعكس اطمئنانا مأتاه واشنطن بأنه لن يكون هناك تصعيد عسكري في الأفق، وأن هناك رغبة في السير في الخيار السياسي.

وكان لافروف قد صرح قبل يوم من الاجتماع الثلاثي أنه تم التوصل إلى اتفاق خلال لقائه نظيره الأميركي ريكس تيلرسون هذا الأسبوع في موسكو، مفاده عدم توجيه الجيش الأميركي أي ضربات جديدة لسوريا.

وقال وزير الخارجية الروسي، الخميس، إن روسيا والولايات المتحدة لديهما تفاهم مشترك بشأن أن الضربات الجوية الأميركية على سوريا ينبغي ألا تتكرر، موضحا أنه تم الاتفاق على ذلك خلال زيارة تيلرسون.

وزار وزير الخارجية الأميركي الأربعاء روسيا حيث التقى لافروف وبعده الرئيس فلاديمير بوتين، الذي ما كان ليجتمع به لولا طرح الوزير الأميركي لنقاط إيجابية قد تساعد في التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وفق مصادر قريبة من الكرملين.

وللتذكير فإن الكرملين أعلن قبيل زيارة تيلرسون أنه لم يتقرر لقاء بوتين به.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه نحو التهدئة بعد “صدمة توماهوك”، هو الدافع أيضا لزيارة يقوم بها وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني السبت إلى موسكو، فالدوحة تريد أن تلتحق بركب العملية السياسية، ويبدو أنها قدمت عربونا لذلك ممثلا في ما سمي باتفاق “البلدات الأربع” الذي تم مع إيران وبدأ تنفيذه الجمعة.

وتوقعت مصادر دبلوماسية روسية أن تمارس موسكو ضغطا على قطر بوصفها المصدر الأساسي الممول للمعارضة السورية.

ورأت تلك المصادر أن وزير الخارجية القطري سيكون في موقع ضعيف في اجتماعه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف.

ويسعى لافروف إلى الحصول على وعد من نظيره القطري بمنع إرباك أي اتفاق يحدث في سوريا عبر أتباعها من المعارضة.

وتحاول الدوحة حفظ ماء الوجه عبر إشراكها في المفاوضات بشأن رسم مستقبل سوريا، الأمر الذي يفسر توقيت زيارة وزير الخارجية القطري إلى موسكو مع وجود وزيري خارجية إيران وسوريا.