كتبت هافينغتون بوست نقلاً عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية: قبل بضعة أشهر، كان التشكيك في دعم موسكو لحليفها التاريخي في دمشق أمراً لا يُمكن تصوُّره. لكن بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، هذا الأسبوع، قد تبدأ الديناميات في التغيُّر، حتى ولو قليلاً.
 

وتضمَّنت زيارة تيلرسون القصيرة إلى موسكو لقاءً قصيراً امتد ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء، 12 نيسان، فضلاً عن جلساتٍ مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وفي أمسية الأربعاء، صوَّر تيلرسون، أثناء حديثه للصحفيين، الأزمة السورية كما لو أنَّ بعض الاختراقات المُحتملة غير المُعلنة قد نُوقِشت. وقال بينما كان يجلس إلى جوار لافروف: "تتمثَّل رؤيتنا في أنَّ حكم أسرة الأسد يقترب من نهايته، وقد جلبوا ذلك على أنفسهم مرةً أخرى. لقد ناقشنا وجهة نظرنا بأنَّ روسيا، باعتبارها حليفتهم المُقرَّبة في الصراع، ربما تمتلك أفضل الوسائل لمساعدة الأسد على الاعتراف بهذه الحقيقة". وأضاف تيلرسون أنَّ رحيل الأسد يجب أن يجري "بطريقةٍ مُنظَّمة"، وفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.

وطرح لافروف، الدبلوماسي المُخضرم الفصيح، الذي يُعَد تيلرسون قليل الخبرة خامس وزير خارجيةٍ أميركي يعمل معه، وجهات نظرٍ مختلفة على ما يبدو فيما يتعلَّق بالأسد. إذ رفض فكرة الإطاحة بـ"شخصيةٍ بعينها" في سوريا، لكنَّه أكَّد "أنَّنا لا نُعلِّق كل شيءٍ على شخصيةٍ بعينها، أو على الرئيس الأسد". وذهب إلى أبعد من ذلك، واقترح وضع دستورٍ سوري جديد، وتشكيل حكومةٍ أكثر تنوُّعاً لتتناسب معه.

تصريحات ديمتري بيسكوف الصادِمة

وتناغمت تعليقاته مع التصريحات الصادِمة التي أصدرها ديمتري بيسكوف، المُتحدِّث باسم الكرملين، الأسبوع الماضي بأنَّ دعم موسكو للأسد لم يكن "مخالفاً للدستور". ويعود دعم الكرملين لسوريا إلى عقودٍ مضت (ولم ينس الكرملين رفض الأسد إدانة الغزو الروسي لجورجيا في 2008)، غير أنَّ الاقتصاد الروسي عانى جرَّاء أسعار النفط المنخفضة والعقوبات الأميركية التي جاءت رداً على تورُّطه في حرب أوكرانيا وضمِّه لشبه جزيرة القِرم.

وتجد موسكو نفسها الآن في موقفٍ غير معتاد. فهي على الأرجح لن تتخلّى عن التزامها تجاه المنطقة –وبالتالي تُريق ماء وجهها في منطقةٍ تعرفها جيداً من العالم- لكن يبدو أنَّها قد ضاقت ذرعاً، وعلى نحوٍ متزايد، من الأسد. وأدَّى الهجوم الكيماوي في بداية نيسان، والذي حمَّل الغرب مسؤوليته للأسد بينما حمَّل النظام السوري مسؤوليته للمعارضة، إلى تدهور العلاقات الروسية الأميركية بصورةٍ أكبر، ووضع روسيا والغرب على حافة أزمةٍ جديدة (وألغى وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، زيارته إلى موسكو نتيجة الهجوم الكيماوي).

وأدّى كذلك إلى أول انخراطٍ عسكري مباشر لواشنطن في سوريا، والتي أطلقت واشنطن خلاله 59 صاروخاً من طراز توماهوك الأسبوع الماضي على قاعدة الشعيرات الجوية، حيث تحتفظ كلٌ من سوريا وروسيا بطائرات. وفي يوم الخميس، 13 نيسان، قال الأسد لوكالة الأنباء الفرنسية إنَّ الادّعاء بأنَّ حكومته قد استخدمت الأسلحة الكيماوية "مُفبركٌ بنسبة 100%".

وقال عمرو العزم، عضو المعارضة السورية، وأستاذ التاريخ في جامعة شاوني بولاية أوهايو الأميركية: "لو كنتُ مكان بوتين لغضبتُ من الأسد لمنحه الأميركيين ذريعةً للتدخُّل. غير أنَّ الغضب من الأسد هو أمرٌ مختلفٌ عن التخلي عنه".

وطالب لافروف بتحقيقٍ مستقل في هجوم غاز السارين الذي أسفر عن مقتل 90 شخصاً على الأقل في محافظة إدلب.

وفي الوقت الراهن، لا تُوجَد أي أدلةٍ حقيقية قاطِعة. لكن إذا ثبُت دون شك أنَّ نظام الأسد هو من ارتكب الهجوم، ستكون روسيا قد أحرجت نفسها وستحتاج على الأرجح إلى القيام بشيءٍ ما.

وقال العزم: "هل الروس مستعدّون للقيام بتلك التضحية؟ إذ يعني القيام بشيء إمَّا إبلاغ الأسد بأنَّهم يسحبون دعمهم له، أو مساعدة المعارضة"، مُضيفاً إنَّ هذا الخيار الأخير غير وارد. ومنذ بدأت الحرب الأهلية السورية قبل ست سنوات، وفَّرت موسكو ملجأً لأعضاء حكومة الأسد السابقين، كما تُعَد موطناً لجاليةٍ صغيرة، لكن حيوية، مؤيدة للنظام. ومُنِح بعضهم تأشيراتٍ روسية وحق الإقامة؛ بينما يعيش آخرون في منطقةٍ رمادية دون صفةٍ رسمية. (وفي المقابل، استقبلت روسيا عدداً قليلاً جداً من اللاجئين السوريين، وهي الخطوة التي لا تزال تتسبَّب في انتقاد جماعات حقوق الإنسان لروسيا).

دعم الفاعلين الرئيسيين

وجرى تناول اعتراف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الخميس، 13 نيسان، بأنَّ التحالف المدعوم من الولايات المتحدة في سوريا قد قتل 18 شخصاً أعضاء في ميليشا يدعمها التحالف بطريق الخطأ في وسائل الإعلام الروسية على نطاقٍ واسع. وطوال انخراط موسكو العسكري في الصراع السوري، اعتادت روسيا تسليط الضوء على الأعمال غير الكفؤة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكثيراً ما تتوقَّف عند الوضع الحالي في العراق باعتباره مثالاً على فشل الديمقراطية الأميركية.

ومن الجدير بالذكر أنَّه لا يمكن القيام بأي صفقاتٍ أو اتخاذ خطواتٍ للأمام في سوريا دون دعم الفاعلين الرئيسيين في المنطقة: أي إيران، وحزب الله اللبناني ، وتركيا، والسعودية. وتعتبر موسكو اثنين من هؤلاء الفاعلين فقط حلفاء لها، بينما تنظر إلى الباقين على أنَّهم بين بين، أو أقرب إلى خصوم.

وسيستقبل لافروف هذا الأسبوع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الذي يهاتفه بانتظام. وسيلتحق بهما وزير الخارجية السوري وليد المعلم في لقاءٍ قالت موسكو إنَّه سيُركِّز على تنسيق الجهود الثلاثية للتوصُّل إلى تسويةٍ سياسية في سوريا. غير أنَّ إحضار كافة الأطراف، نظام الأسد والمعارضة، إلى طاولة المفاوضات أمر صعب ويُرجَّح أن يكون عمليةً طويلة.

وقد أصبحت الدولة نفسها مُمزَّقةً للغاية، ويقول الخبراء إنَّها تفتقر إلى بنيةٍ متماسكةٍ قليلاً خارج دمشق. وقد لا يكون تأثير بوتين على الأسد هو التأثير نفسه الذي كان يمتلكه في بداية التدخُّل الروسي في الصراع، وربما حتى لا يكون هذا التأثير كبيراً الآن. ويعني هذا أنَّ موسكو ربما اصطفَّت إلى جانب أطراف لديها أجندات أخرى تسعى إلى تطبيقها في سوريا.

وقالت ماريا ليبمان، المُحلِّلة السياسية في موسكو ورئيسة تحرير مجلة كاونتربوينت التي تصدرها جامعة جورج واشنطن: "إذا كان بوتين غير راضٍ لأنَّه وجد نفسه في شراكةٍ مع إيران وحزب الله، فإنَّ هذا لا يعني أنَّه قد يُقدِّم تنازلات، وهو لا يفعل ذلك أبداً حينما يكون هناك ضغطٌ شعبي. كما أنَّه ليس شريكاً موثوقاً".

(هافينغتون بوست)