وضع حزب الله ثقله في الداخل لإيصال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، مستفيداً من دعم إيران، وتباعدها مع السعودية. غير أن وصول عون إلى الرئاسة وإطلاق العنان لوزير الخارجية جبران باسيل الطامح لزيادة نفوذه في التيار البرتقالي وفي الساحة السياسية، إنعكس سلباً على العلاقة بين الطرفين، وصولاً إلى إعلان الحزب بشكل مبطّن، أن إنجاح عهد عون الرئاسي، ليس معركته، على عكس ما كانت عليه معركة إيصال عون إلى الكرسي.
العلاقة بين حزب الله وباسيل توترت، فأهداف الطرفين في السياسة والانتخابات لا تتقاطع. والحزب يقترب من رئيس الحكومة سعد الحريري في إطار تسيير قطار التسوية التي باركها السعوديون والإيرانيون، ووافق حزب الله بموجبها على عودة الحريري لقاء القبول بعون رئيساً. وهذا التقارب لا يستبعد النائب وليد جنبلاط الملتقي أصلاً مع الحريري، على حساب عون.
وفي ظل التهدئة بين الأطراف كافة، لم يعد حزب الله ملزماً بتحمّل مسؤولية مغامرات باسيل وتياره، ولا أحلام عون بإثبات نفسه كرئيس مسيحي قوي. إذ إن عون يتصرف وكأنه رئيس جمهورية ما قبل الطائف. وحزب الله الذي يسير ضمن قواعد ما بعد الطائف، لن يضحي بمكتسبات الطائف، لا من الناحية الطائفية ولا الوطنية. فهو رابح في الحالين، لذلك يتمسك بالنسبية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، وهو ما يرفضه باسيل. ويتمسك الحزب بالدور السعودي الإيراني في ارساء قواعد اللعبة السياسية اللبنانية. والحزب الذي تحدّى السعوديين بعون الرافض للطائف، عاد وأكد لهم أنه لن ينقلب على الطائف، وأن ورقة عون تقف عند كرسي الرئاسة، ولا تتعداها إلى توسيع الصلاحيات. وموقف حزب الله مدعوم من الحريري العائد لترتيب إقتصاده وسياسته، ويحتاج أكثر من أي وقت مضى، إلى رفض قوة رئيس الجمهورية، خارج أسوار الطائف. أما رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فيرفض عهد عون منذ بدايته، والعلاقة بينهما تتجه نحو التشنج أكثر فأكثر.
لكن، رغم التشنج بين بري وعون، "الأزمة الأساسية"، وفق ما تقوله مصادر من 8 آذار لـ"المدن"، "تقع بين عون وباسيل من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. وما وجود بري في المشكلة، سوى وجود عَرَضي كونه رافضاً عون منذ البداية". تضيف المصادر أن "بري رجل براغماتي، يعرف كيف يفاوض وكيف يستفيد من اللحظات الأخيرة، وكيف يجد المخارج حتى في اللحظات الصعبة. ولا مشكلة لديه حتى في تنسيق المخارج مع عون نفسه، شرط ضبط اللعبة على توقيت إتفاق الطائف، وليس توقيت صلاحيات رئيس الجمهورية".
وتشير المصادر إلى أن موقف بري من استعمال عون صلاحياته، وتطبيق المادة 59 من الدستور، والتي تعلق عمل مجلس النواب لمدة شهر، "كان منسّقاً مع القوى السياسية. لذلك، كان الترحيب بالخطوة حاضراً، على عكس الاجواء المشحونة التي كانت تنتظر إعلان التمديد لتخرج إلى الشارع، تحديداً بالنسبة إلى التيار والقوات اللبنانية". وتلفت المصادر إلى أن "مساندة القوات التيار تكتيكية. فالقوات حاضرة في أي لحظة للتفاوض حتى على التمديد، وعلى أي قانون انتخابي يمكن أن يُطرح للبحث لاحقاً". وفي استعداد القوات للتفاوض، استكمال للنهج الذي اعتمدته منذ ترشيح رئيسها سمير جعجع عون. وهو مساندة عون دون قطع التواصل مع الأطراف الأخرى، حتى مع حزب الله.
بذلك يكون حزب الله قد أطبق الخناق على عون وتياره، ودعاهما إلى الإلتزم بقواعد اللعبة التوافقية، وعدم محاولة فرض الفراغ. لكن، حتى اللحظة، يصرّ العونيون، وبخاصة النواب والوزراء، على التصرف كأنهم المسيطرون على المشهد السياسي. ويتجلى هذا التصرف باعتبار النائب إبراهيم كنعان عبر تويتر أن "الرئاسة أكثر من صلاحيات... الرئاسة رئيس". كما أن باسيل يرى في تأجيل جلسة التصويت على التمديد، حماية للعهد ممّن أسماهم "يهوذا" الذي "كان سيسلم اللبنانيين إلى التمديد في ذكرى يومهم المشؤوم في 13 نيسان.