في السياسة ليس هناك صداقات دائمة ولا عدوات دائمة، وإنما هناك مصالح دائمة، وكذلك في العلاقات الدولية فإن علاقة أي دولة مع دولة أخرى لا تبنى وفي الغالب الأعم على الأخلاقيات ولا تقوم على أساسيات إنسانية ومنطلقات إجتماعية وعلى أنها جمعيات خيرية، وإنما ترتكز على مصالح متبادلة.
وعلاقة روسيا مع النظام السوري لا تشذ عن هذه القاعدة، وكذلك علاقة إيران والتنظيمات والميليشيات التابعة لها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد فإنها تأتي ضمن هذا السياق القائم على وجود مصلحة لإيران في حماية النظام السوري كما لروسيا مصلحة في حمايته.
والرئيس السوري نفسه لم يصدق أنه لا زال على رأس السلطة بعد خروج أكثر من ثلثي الشعب السوري ضده وتدمير أكثر من نصف المباني والمرافق العامة في العاصمة دمشق وباقي المدن والقرى السورية، وبعد أكثر من ست سنوات على إنطلاق الشرارة الأولى للحرب الأهلية في سوريا التي طالت معظم أراضيها والتي حصدت أكثر من نصف مليون قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعوقين وتهجير الملايين من أبناء الشعب سواء في الداخل السوري بإتجاه مناطق أكثر أمانًا وإستقرارًا ولم تطالها نيران الحروب المتنقلة أو خارج سوريا إلى دول الجوار أو إلى الدول الأوروبية وغيرها من باقي دول العالم، وذلك على خلفية الدعم اللامتناهي لنظامه من حليفيه إيران وروسيا.
إقرأ أيضًا: حسابات ترامب أكبر من كيماوي الأسد
وضمن منظومة العلاقات المتشابكة بين النظام السوري وكل من روسيا وإيران فإنها تفتقد إلى القاعدة التي ترتكز على القول المأثور "صديق صديقك صديقك"، ولا مكان لها بين حليفي الأسد، بل على العكس فإنها مبنية على تضارب في المصالح بين موسكو وطهران على المغانم السورية، فمن الغباء التوهم بأن النظام السوري قد يكون القاسم المشترك بين حليفيه إيران وروسيا للتقارب بينهما وتحالفهما وتوحيد رؤيتهما السياسية للأزمة السورية.
وفي التطورات العسكرية والسياسية في الميدان السوري، بدا واضحًا أن إيران خرجت من المعادلة، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يتولى حماية النظام السوري وأما إيران وأدواتها حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية التابعة لها والتي إستقدمت للقتال في سوريا فهي اليوم ليست اكثر من أدوات للتنفيذ لا أكثر ولا أقل، خصوصًا بعد فتح سوق المساومات السياسية حيث يتم عرض النظام السوري للبيع في إطار صفقة بدت ملامح ظهورها للعيان، ويتم طبخها - ربما على نار حامية - للخلاص من الرئيس الأسد والموافقة على رحيله مقابل ثمنًا باهظًا تريده روسيا لنفسها دون أن يشاركها أحد فيه حتى إيران.
فما يدور اليوم في كواليس السياسة الدولية محاولات حثيثة لإتمام صفقة بين الرئيس بوتين والرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، محورها موافقة روسيا على وضع نهاية لنظام ديكتاتوري حكم سوريا بقوة الحديد والنار والإرهاب لما يقرب من النصف قرن بثمن إستثنائي.
فالرئيس الأميركي يتحاشى أن يكرر خطأ سلفه باراك أوباما بالابقاء على نظام يبيد شعبه بأسلحة محرمة دوليًا، وهو يعتبر أن إستخدام النظام السوري الأخير للسلاح الكيماوي وأسفر عن مجزرة خان شيخون هي صفعة قوية موجهة لإدارته، وأنه بذلك يتحدى المجتمع الدولي، ولا يريد أن يسجل على عهده سكوته على نظام يدمر بلده ويقتل شعبه بدم بارد وبكل وقاحة وصفاقة.
والرئيس الروسي بوتين فإنه وجد في الأزمة السورية فرصته لإعادة مجد روسيا ودورها ونفوذها الذي غاب عن منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا عن المنطقة العربية وعن الساحة الدولية بشكل عام بعد الدور السوفياتي البارز الذي لعبته خلال الحرب الباردة.
إقرأ أيضًا: العرب ثابتون في عالم متغير
ومن السذاجة بمكان الإعتقاد أن موسكو باقية على النظام السوري وعلى رئيسه شخصيًا بناءًا على موقف مبدئي وأخلاقي.
فروسيا تدافع عن النظام السوري وتحمي رئيسه بإنتظار الوقت المناسب لإستخدامه كورقة ضمن إطار صفقة كبرى تشكل لها مدخلا لعودتها بقوة إلى المسرح الدولي.
ويبدو أنه قد حان الوقت المناسب حيث تدور المناقشات اليوم حول التسعيرة لإتمام صفقة الخلاص من الأسد برحيله عن السلطة، ولكن بالسعر الذي يناسب موسكو.
ومن الواضح أن بشار الأسد لم يقرأ التاريخ جيدًا ولم يستوعب دروس الماضي ولم يتعلم من تجارب غيره من الرؤساء الذين إضطهدوا شعوبهم، كيف كانت نهاياتهم المذلة! إذ أنه لا مكان لهم في عالم متحضر ويخطو خطوات سريعة نحو المزيد من الحرية والديمقراطية وحق الشعوب بتقرير مصيرها.