قد يكون الدكتور سمير جعجع أكثر المكروهين السياسيين في لبنان من قبل المسلمين ونسبة عالية من المسيحيين ومع ذلك بقيّ واحداً من رموز المرحلة السياسية وحالة مسيحية تتسع كي تكون الوعاء الأوسع لطائفة بدت في أحسن صورها بعد أن أعاد لها تحالف التيّار والقوّات بعضاً من زمانها الضائع .
دُفع جعجع الى مد يد العون لعون فكانت الرئاسة سبباً لتدشين علاقة صداقة بين العدوين مهدت الطريق لعلاقة مركزية بين تيارين ممسكين بأغلبية المصالح المسيحية وهذا ما منحهما بركة الكنيسة التي تبحث عن عودة مجيدة لمجد مسيحي دُفن في لبنان عندما رفض المسيحيون فكرة الاصلاح وماتوا على أبواب القصر الماروني على فترات من الحرب الأهلية .
إقرأ أيضا : 13 نيسان ... هل تعلم اللبنانيون من دروس الحرب الأهلية؟
خرج جعجع من السجن وطنياً لا صليبياً وترك صليبه الذي حمله طيلة الحرب داخل الكنيسة وناهض الاستئثار والغلبة وسياسة الإلغاء وانتهج سياسة بناء الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات وكان أحد أركان ثورة الأرز وأبرز قادة 14 آذار ومن المتمسكين بالسيادة والحرية ورفض عرض لبنان لأي مشتر أجنبي ورفع شعارات مناقضة تماماً للشعارات التي قاتلت وماتت من أجلها كتائب القوّات اللبنانية .
اذاً كنا أمام رجل جديد هو غير الرجل الذي بنى صورته داخل حزب القوّات الأكثر شراسة و إجراماً في الحرب الأهلية والحروب المسيحية والمنافح في علاقته مع العدو الاسرائيلي والمُسبب لأكثر من جريمة تكاد أن لا تنسى من بين الجرائم التي إرتكبها الكثيرون من القيادين اللبنانيين سواء كانوا من أهل الشمال أومن أهل اليمين .
إقرأ أيضا : خطاب القسم وخطيئة التمديد
دفع سمير جعجع فاتورة كبيرة نتيجة علاقة القوّات بالعدو وارتباط جملة من الجرائم برقبة القوّات إضافة الى دعوات القوّات التقسيمية لبلد صعب أن يقسم ولا يتسع لمشروعين وهذا ما أبقاه في نظر اللبنانيين على إختلافهم حالة غير مُطمئنة وتدفع أدواره على الريبة والشك وكان من السهل إستخدامه كشماعة يعلق عليها كل ما هو تهمة وجريمة وخاصة من قبل المسلمين الذين لا يرون في الحكيم سوى صورة القاتل .
عندما قرر الرئيس سعد الحريري خلط أوراق الرئاسة في سلة مصالحه الخاصة تأذى قائد القوات اللبنانية لأن الشروع في اختيار الجنرال رئيساً للجمهورية من شأنه أن يضع القوات ومعها الأحزاب الأخرى خارج المرحلة السياسية وبالتالي سيبقي المسيحيين أسرى المسلمين وهذا ما سيضعف الجميع على ضوء الخصومة المسيحية المتزايدة في مجيء رئيس مسيحي خصم للنخب المسيحية لا حليف لها وهنا شعر جعجع أن سعد حريري قد ضربه على خده الأيمن فلم يدر له الأيسر كي يكون مسيحياً مسالماً و إن كان كف حبيب لا عدو ولكن نتائجه كانت مسببة لألم شديد وضعه جعجع في دائرة الحكمة لا في دائرة العداوة فانتفض نحو التماهي الكلي مع التيّار الوطني الحر واعتبر عون رئيساً بإمتياز وخطوة صحيحة باتجاه بناء الدولة المفقودة وراهن على تحالف صعب وقوي مع التيار يشمل كل شيء حتى لمحنا صحوة مسيحية جديدة أملأ مما هي عليه بين الثنائية الشيعية وليست مجرد تمرد على واقع او الارتهان اليه بقدر ما هي طافحة بمستوى من النضوج أحرج الجميع ووضعهم في لباس من الخوف بعد أن بات المسيحيون والموارنة تحديداً كتلة صلبة وصلدة ولم يعودوا مجرد زبائن سياسيين لدي المسلمين .
إقرأ أيضا : قانون الإنتخاب بين العجز الحكومي والتمديد
لقد أخافت الانتخابت النيابية الجميع ومن بينهم الطائفة الشيعية المطمئنة لفوز حزبيها والطائفة السنية رغم التدابير المتخذة لتأمين فوز الحريرية السياسية والطائفة الدرزية رغم إصطفافها وراء الزعامة الجنبلاطية وحدهم مسيحيو التيار والقوات رفضوا التمديد وأصروا على إجراء الانتخابات لأنهم فائزون بها لا محالة وغير خاسرين وسيستردون من المسلمين ما أخذوه منهم طيلة سنين المصادرة .
هذه القوّة الوليدة للمسيحيين ما كانت لتكون لولا الحكيم الذي عرف كيف يصنع من الضعف قوة لطائفة بعد أن كان المسيحيون أحزاباً و أشخاصاً يعرفون تماماً كيف يصنعون قوة لهم وبأساً لعيالهم و أتباعهم .
وحده ربح جعجع المستقبل المسيحي وخسر المسلمون ما اصطادوه من ضعف مسيحي بعد أن كسروا بأيديهم صنارة الصيد وبعد أن ظنوا أنفسهم أقوياء الى حد الحمق السياسي الذي أوصلهم الى الهروب من الاستحقاق النيابي هرب الخائفين .