حقق الاقتصاد اللبناني نموا بمعدل قارب 1.7% في العام 2016، ومن المتوقع ان تتسارع وتيرة النمو تدريجا الى مستوى 2% في العامين 2017 و2018 ، مدعومة بالاستقرار النسبي للمناخ السياسي المحلي، وبالتوقعات بالانتعاش النسبي لقطاع السياحة في الفترة المقبلة مع عودة العلاقات اللبنانية – الخليجية الى سابق عهدها بعد أزمة ديبلوماسية استمرت سنوات. أما على صعيد المالية العامة، فقد اتسع عجز موازنة الحكومة المركزية الى 8.1% من الناتج المحلي الاجمالي عام 2016، مقارنة بعجز مقداره 7.3% عام 2015، كما بلغت نسبة الدين العام للناتج المحلي 144.5% نهاية العام الماضي، في الوقت الذي ما زال الاقتصاد اللبناني يعاني من التبعات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية للازمة السورية التي أنتجت لجوء أكثر من 1.5 مليون الى الداخل اللبناني.
ولكن، أمام هذه التطورات، ظهرت إشارات إيجابية في الايام الماضية تؤكد أهمية الانعكاسات الايجابية للأحداث التي شهدها لبنان في الفترة الاخيرة على كل الصعد، خصوصا سياسيا واقتصاديا ونقديا، ما انعكس بشكل ملحوظ على نظرة مؤسسات التصنيف الائتماني حيال السندات السيادية اللبنانية. وفي آخر هذه التقارير الايجابية، ما صدر عن وكالة التصنيف الائتمانية العالمية (Capital Intelligence Ratings) التي منحت التصنيف الائتماني الطويل الاجل للعملات الاجنبية في لبنان التصنيف B للاصدارات رقم 83, 84, و85 من السندات السيادية للدولة اللبنانية، في الوقت الذي توقعت الوكالة نظرة مستقبلية مستقرة لهذه التصنيف بعدما كانت هذه النظرة سلبية في ما مضى.
وتعد هذه الاصدارات التي يبلغ اجمالي حجمها 3 مليارات دولار، جزءا من برنامج السندات السيادية المتوسطة والطويلة الاجل بالعملات الاجنبية للدولة اللبنانية، حيث يبلغ اجمالي حجم البرنامج 28 مليار دولار، كما تحمل الاصدارات الثلاثة آجالاً متنوعة وأسعار فائدة ثابتة، حيث يبلغ حجم الاصدار رقم 83 1.25 مليار دولار يستحق عام 2027، اما الاصدار رقم 84، فيبلغ حجمه مليار دولار يستحق في 2032، فيما يبلغ حجم الاصدار رقم 85 750 مليون دولار ويستحق في 2037. وقد أكدت وزارة المال اللبنانية ان الهدف الاساسي لهذه الاصدارات هو لجم العجز في الموازنة العامة وتأمين الاموال اللازمة لتغطية الحاجات التمويلية للدولة اللبنانية، بما فيها دفعات القروض المستحقة في العام الحالي 2017.
واعتبرت وكالة التصنيف ان مستوى التصنيف الائتماني الممنوح لهذه السندات يتواءم مع التصنيف السيادي الطويل الاجل بالعملات الاجنبية للدولة اللبنانية عند B، كما قامت الوكالة ايضا بخطوة إيجابية تمثلت برفع نظرتها المستقبلية تجاه تصنيف لبنان الائتماني من سلبية الى مستقرة نتيجة عوامل عدة صبت في صالح هذا التعديل بالرفع. وفي سياق غير بعيد، أكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف لبنان عند "B-" مع نظرة مستقبلية مستقرة منذ اسابيع قليلة، لافتة إلى أن المخاطر السياسية والأمنية هناك مرتفعة بسبب تداعيات الحرب الدائرة في سوريا المجاورة. وقالت الوكالة إن النظرة المستقبلية المستقرة تعكس تقويم فيتش بأن المخاطر الصعودية والنزولية على التصنيف متوازنة في الوقت الحالي.
ومن ابرز التطورات التي ارتكزت عليها وكالة التصنيف الائتماني "كابيتال انتليجنس" في خطوتها تجاه تصنيف السندات اللبنانية، عودة الاستقرار السياسي الى البلاد مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة وبدء التحضير للإنتخابات النيابية، ما أعاد الحياة الى العمل السياسي في البلاد وأنتج ايضا إقرارا للموازنة العامة في مجلس الوزراء بعد أكثر من 11 عاما على غيابها. بالاضافة الى ذلك عزت الوكالة تعديل تصنيفها تجاه السندات اللبنانية الى تراجع حدة الخلاف بين لبنان والدول الخليجية ما ينعكس إيجابا على العديد من القطاعات الاقتصادية اللبنانية على رأسها القطاعان العقاري والسياحي ، كما يساهم هذا الانفتاح ايضا في إعادة فتح سوق العمل الخليجي للمغتربين اللبنانيين ما يعزز من جديد تحويلات المغتربين العاملين في الخليجي الى الداخل اللبناني. وأيضا لاحظ تقرير وكالة التصنيف الائتمانية العالمية أهمية احتياطات مصرف لبنان من الذهب والعملات الاجنبية التي وصلت الى مستويات تاريخية تخطت 52 مليار دولار، الامر الذي يعزز استقرار الليرة اللبنانية ويساهم أيضا بتأمين التغطية اللازمة للديون المستحقة على الدولة اللبنانية. ويعد المستوى المطمئن لاحتياطات العملات الاجنبية، اضافة الى توافر قاعدة مستقرة من المستثمرين في السندات السيادية اللبنانية واذونات الخزينة؛ وسجل حافل بالايفاء بالالتزامات المالية في مواعيدها، حتى في أوقات الازمات، من العوامل الرئيسية الداعمة للتصنيف الائتماني للدولة اللبنانية. أما المديونية المرتفعة وما يرافقها من كبر الحاجات التمويلية وضعف هيكلية موازنة الحكومة المركزية، اضافة الى تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية؛ والمخاطر الناجمة عن تفاقم الوضع الامني والسياسي في بعض دول الجوار، من العوامل التي تحد التصنيف الائتماني للدولة اللبنانية وتؤثر عليه سلبا. ويوازن التوقع المستقبلي المستقر للتصنيف الائتماني للسندات السيادية اللبنانية بين ضعف اداء المالية العامة وتفاقم عجز الحساب الجاري من جهة، وبين استقرار مستوى احتياطات المصرف المركزي من العملات الاجنبية وتحسن المناخ السياسي والاقتصادي من جهة اخرى. بناء على ما سبق، لا تتوقع كابيتال انتليجنس ان يطرأ أي تغيير على هذا التصنيف الائتماني في غضون الـ12 شهرا المقبلة، شرط ان تتحقق الفرضيات القائمة في السيناريو الرئيسي للتصنيف الائتماني الصادر عن وكالة التصنيف.
ونهاية آذار الفائت، كانت وكالة التصنيف "موديز" أصدرت تقريراً سلط الاضواء على أبرز نقاط القوة في الإقتصاد اللبناني، ومنها قطاعه المصرفي القوي والذي يُعتبر المصدر الرئيسي لتمويل الدولة، اضافة الى معدل سيولة خارجية مرتفع تتواكب مع سجل يعكس التزام الدولة الكامل بمستحقاتها المالية رغم الصعوبات السياسية والإقتصادية المختلفة، الى متوسط دخل الفرد الواحد المرتفع نسبياً. كما اعتبرت موديز ان التحديات القائمة تجاه الاقتصاد اللبناني تتمثل بالدين العام المرتفع جدا والعجز الكبير في الموازنة والميزان التجاري مع استمرار الإرتدادات السلبية الإقليمية سيما الحرب في سوريا، والأزمات السياسية الداخلية اللامتناھية، والتي أدت الى شلل الحياة السياسية وتعطيل عمل المؤسسات.