فتحت الضربات الأميركية على سوريا سيناريوهات المعركة على أكثر من مسار، ووضَعت الدولَ المتنارعة أمام كلّ الخيارات، بما فيها الحرب المفتوحة على أكثر من جبهة محلّية، وحتّى دولية، خصوصاً وأنّها أعادت خلط الأوراق في العلاقات الدولية القائمة، ولا سيّما بين تركيا وروسيا الداعمين الأساسيَين لوقف النار في سوريا.يشهد الميدان السوري تسارعاً دراماتيكياً في الأحداث العسكرية، وتبدّلاً مستمرّاً في العلاقات الدولية. فمنذ أن فتحت المعارضة السورية حربَها على دمشق وقصَفت الولايات المتحدة الأميركية القاعدة الجوّية السورية، والأفرقاءُ المتنازعة باتت أمام معركة وجودها، الأمر الذي بدأ بتغيير ستاتيكو النزاع في سوريا عبر تغزيز الشعور القومي بضرورة رصِّ الصفوف والتماسك أكثر عند كِلا الطرفين، ما سيزيد من شراسة المعركة، ويصبح كلّ شيء مباحاً.
خلّفَت الضربات الجوّية الأميركية تزايداً من مشاعر الأمل عند حلفائها من جهة، وعند خصومها ولَّدت مشاعرَ التماسك إلى جانب النظام من جهة ثانية.
فهذه الضربات عملت إلى:
- دعم القوى الحليفة لها في المنطقة وقوى المعارضة المقاتلة في سوريا. إذ شكّلت جرعةَ دعمٍ إضافية في ضربها النظامَ الأسدي وأعادت رسم الخطوط الحمر للمعركة. هذا ما عبَّر عنه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر الهاتف بأنّ «خيار قصفِ النظام السوري هو قرار شجاع يصبّ في مصلحة المنطقة والعالم».
- زعزعة الثقة بين اللاعبَين الروسي والتركي، فانعكسَت توتّراً في العلاقات بينهما وظهرَت في ما كشفَته الصحيفة الروسية عن أعنفِ هجوم روسي ضدّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. إذ قالت صحيفة «نيزاميسيمايا غازيتا» إنّ «أردوغان فقدَ صدقيتَه أمام «الكرملين». وأوضَحت أنّ «موسكو باتت ترى صعوبةً في الوثوق بأنقرة شريكاً في مسار التسوية، أو في مجال التعاون الثنائي».
ومن جهتها وجّهت أنقرة أيضاً عبر وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، انتقاداً شديداً لدعم روسيا نظامَ الرئيس السوري بشّار الأسد، وذلك، بعد يومين على الهجوم الكيماوي، حيث تتّهم أنقرة دمشق بالوقوف وراءَه.
- تغزيز التماسك الإيراني - الروسي، ووقوفهما إلى جانب النظام، إذ دانت الأركان الإيرانية والروسية مشتركةً العدوانَ الأميركي على سوريا، من خلال اتّصال هاتفي بين رئيسَي الأركان. كما وأكّدا استمرار التعاون مع الحكومة السورية حتّى إلحاق الهزيمة الكاملة بالمشاريع الأخرى في المنطقة.
- تأثيرها على رسم قواعد الاشتباك الأميركي - الروسي في المنطقة، حيث رأى رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، الجمعة 7 نيسان، أنّ «الهجمات الصاروخية الأميركية على سوريا كادت أن تؤدي إلى اشتباك مع الجيش الروسي». كما ووجَّه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، في اتّصال هاتفي مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، على أنّ الضربات الأميركية نُفّذت بذريعة غير صحيحة وتَخدم مصالح الإرهابيين.
تزامُناً مع الرفض الروسي لقرار الضربات الجوّية، ذكرَت وكالة أنباء «تاس» الروسية أنّ «الفرقاطة الأدميرال «غريغورفيتش» ستَدخل مياه البحر الأبيض المتوسّط، موضحةً أنّها «ستكون جزءاً من الحماية لوجود روسيا في الشرق، في دلالةٍ واضحة على خطورة المرحلة المقبلة، حيث تعمل روسيا مع حلفائها في المنطقة للحفاظ على مصالحها».
أخيراً، عملت الضربات الجوّية الأميركية عن غير قصدٍ على تقوية العلاقات بين خصومها من ناحية وعلى دعمِ حلفائها في المنطقة من ناحية ثانية. الأمر الذي أعاد فرضَ ستاتيكو جديد على أرض الواقع، وعند قوى النزاع في المنطقة، وسط تحوّلات إقليمية ودولية، ستأخذ سوريا والمنطقة إلى مسارات مختلفة قد تطول.
فبات من الأكيد أنّ الحرب السوريّة ذاهبة أكثر وأكثر إلى المزيد من التأزّم في ظلّ انقاسامات دولية باتت لا تنظر إلى مآسي الشعوب، بقدر ما تسعى لتحقيق مصالحها.