يُسجل لمليشيا "حزب الله" اللبنانية دورها البارز في تغيير المعادلة في حلب لصالح النظام، والتي انتهت بسيطرته على الأحياء الشرقية أواخر العام 2016، وإنهاء كامل وجود المعارضة المسلحة داخل المدينة. وتزامن تدخل "حزب الله" بقوة في معارك حلب مع التدخل الروسي المباشر في الربع الأخير من العام 2015، والذي أمّن تغطية نارية وتفوقاً لصالح المليشيات العراقية والأفغانية والإيرانية، بالإضافة إلى "الدفاع الوطني" وقوات النظام. وكان "حزب الله" من أكثر هذه التشكيلات تنظيماً وفاعلية التي اعتمدت عليها روسيا في الميدان، ويحسب لها دورها الكبير في حصار المعارضة في حلب وامتصاص الصدمات والتصدي لهجماتها المعاكسة التي أتت رداً على الحصار وصولاً إلى قبولها باتفاق الخروج.
ومنذ سيطرة النظام على الأحياء الشرقية في حلب لجأ "حزب الله" إلى إتباع إستراتيجية جديدة، وأعاد انتشار مقاتليه، وكرّس وجوده بشكل أكبر، لينتقل من كونه مجرد مليشيا تقاتل إلى جانب النظام من بين عشرات المليشيات الأجنبية والمحلية، إلى قوة دعم وتدريب وإدارة للعمليات لحماية المدينة من هجمات المعارضة والعمل على توسيع طوقها الأمني. هذا بالإضافة إلى تمكين النظام من الاستفادة من الإمكانيات الجغرافية والبشرية التي أصبحت ضمن نطاق سيطرته في مختلف مناطق المدينة والريف الحلبي التي شهدت تقدماً مستمراً للنظام على حساب المعارضة وتنظيم "الدولة الإٍسلامية". وهذا بخلاف الاعتقاد الذي ساد بعد السيطرة على حلب بأن مليشيا الحزب قد تدفع باتجاه تقليص وجودها العسكري في حلب بعد تمكين النظام فيها والانتقال إلى جبهات المحافظات الأخرى، التي أصبحت على قائمة أهداف النظام بعد حلب.
لم يعد تواجد "حزب الله" كما كان في السابق قبل السيطرة على حلب، إذ سحب الحزب أعداداً كبيرة من عناصره من جبهات ريف حلب الجنوبي التي خسر فيها العشرات من مقاتليه بين أسير وقتيل في أكثر من مواجهة مع المعارضة المسلحة عامي 2015 و2016؛ في العيس والحاضر وخان طومان، وغيرها من البلدات القريبة من طريق حلب–دمشق الدولي، لتحل محلهم قوات تابعة لمليشيات عراقية وأفغانية؛ "أنصار الله" و"أبو الفضل العباس" و"حركة النجباء" و"فاطميون". واكتفى الحزب بالإبقاء على بعض نقاط المراقبة، ودعم الاتصالات العسكرية، وقادة عمليات ومجموعة تدخل سريع، في غرفة العمليات المركزية في بلدة الحاضر جنوبي حلب.
وفي مطلع العام 2017 انتقلت قوات الحزب من مواقعها في الخط الأول في جبهات حلب الغربية في حلب الجديدة وجمعية الزهراء وضاحية الأسد، وحل محلها قوات تابعة لمليشيات "الدفاع الوطني" و"لواء الباقر" و"لواء القدس" الفلسطيني. بينما تسلم الحزب إدارة وتوزيع مقاتلي المليشيات من خلال غرفة العمليات الرئيسية إلى جبهات حلب الغربية الواقعة في أكاديمية الأسد. وانتقل عناصر الحزب من "قوات النخبة" وغيرها من قوات المشاة إلى مراكز التدريب في مدينة حلب ومناطق الضواحي، وبلدتي نبل والزهراء شمالاً لتدريب الآلاف من السوريين الذين جُنّدوا قسراً للقتال.
ووفّرت المعركة الرابحة للنظام في حلب موارد بشرية كبيرة كان عاجزاً عن توجيهها وضبطها في ظل فوضى المليشيات التي كانت حلب تعاني منها نهاية العام 2016، وتكفّل "حزب الله" مهمة ضبط عمليات السوق الإجباري لأكثر من 10 آلاف شاب سوري انتقلوا إلى الأحياء الغربية أثناء العملية العسكرية التي استهدفت أحياء المدينة الشرقية. وتولّى الحزب تدريب المجندين الجدد في مراكز رئيسية منها: ثكنة هنانو و"أكاديمية الأسد" ونبل في الشمال. وبعد أقل من 45 يوماً من التدريب المكثف، بدأ الحزب بزج أعداد كبيرة من المقاتلين الجدد في معارك ريف حلب الشرقي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما حافظت الجبهات الأخرى في أرياف حلب؛ الجنوبي والغربي والشمالي، على تماسكها، بفضل المليشيات العراقية والأفغانية.
وأمّن التقدم في ريف حلب الشرقي على حساب "داعش" والسيطرة على أكثر من 200 قرية وبلدة إستمرار عمليات التجنيد الإجباري، وعمليات التدريب التي وفّرت بالتالي عنصراً بشرياً لطالما كان ينقص النظام ليغطي به جبهاته في شمال ووسط سوريا. وكانت معارك ريف حماة دليلاً واقعياً على استفادة النظام من المقاتلين الجدد الذين دربهم "حزب الله" في حلب والذين انخرطوا بشكل أساسي ضمن مليشيا يقودها العقيد "النمر" و"لواء الباقر" ذو الصبغة العشائرية. هذا بالإضافة إلى أكثر من 7 آلاف مقاتل انضموا إلى مليشيا "حزب الله السوري" التي تتخذ من بلدتي نبل والزهراء معقلاً لها.
واستفادت "وحدات حماية الشعب" الكردية من خبرات حزب الله في عمليات التدريب التي أجرتها في حي الشيخ مقصود للمئات من عناصرها الذين التحقوا بصفوفها حديثاً. ويتمتع "حزب الله" في حلب بعلاقات واسعة مع مختلف المليشيات الموالية للنظام، ما مكنه من فرض إرادته في حلّ كثير من المشاكل بعد السيطرة على حلب، الأمر الذي ساعد القوات الخاصة والشرطة العسكرية الروسية في انتشارها.
قائد "غرفة عمليات الراشدين" النقيب أمين ملحيس، أكد لـ"المدن"، أن قوات "حزب الله" باتت تضطلع بدور أكبر بعد سيطرة النظام على الأحياء الشرقية في حلب، وتحظى بدعم روسي مباشر لدورها المتنامي. وزودتها روسيا بأسلحة وذخائر متنوعة. ونجح الحزب فعلياً في تحقيق انتشار أكثر فاعلية للمليشيات وقوات النظام، وعمل خلال الأشهر الثلاثة الماضية على تهيئة قوات دعم إضافية تحضيراً لعمليات عسكرية واسعة مستقبلاً.
وأوضح النقيب أمين، أن المعارضة تتوقع هجوماً جديداً للنظام يقوده "حزب الله" ويستهدف منطقة الضواحي الشمالية لحلب، بعدما فشل النظام أكثر من مرة في التوسع في المناطق الغربية باتجاه الراشدين وخان العسل والبحوث العلمية. وتهدف العملية وفق النقيب أمين إلى عزل مدن وبلدات حريتان وعندان وحيان وبيانون والملاح وأسيا وكفر حمرة والليرمون عن مناطق الريف الغربي، وذلك باتباع خطة التطويق، بحيث يتم إشغال جبهتين؛ من الشمال انطلاقاً من نبل والزهراء وتلال الطامورة، ومن الجنوب انطلاقاً من جمعية الزهراء التي تقع في الزاوية الشمالية الغربية لمدينة حلب.
وتأتي العملية العسكرية المتوقعة التي سيقودها الحزب مع قرب تطبيق اتفاق "المدن الأربع"، وإنهاء مشكلة بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين في ريف إدلب، واللتين كانتا تعرقلان أي عمليات عسكرية للنظام وحلفائه باتجاه إدلب ومناطق أخرى. ويعتبر الحزب أن أي تحرك باتجاه إدلب خلال الشهور المقبلة يتطلب تأمين حلب بشكل كامل وسد الثغرات التي من الممكن أن تكون هدفاً سهلاً للمعارضة المسلحة. وتعتبر منطقة الضواحي الشمالية من أكثر المناطق الحساسة التي تؤثر على وجود النظام في حلب، وهي قاعدة لإطلاق الصواريخ والمدفعية التي تستهدف من خلالها المعارضة بشكل متكرر بلدتي نبل والزهراء، ردّاً على قصف مماثل لمناطقها شمالي وغربي حلب.
ورصدت المعارضة تعزيزات عسكرية جديدة لـ"حزب الله" وصلت إلى جنوب بلدة الزهراء الشيعية في ريف حلب، الأحد والاثنين، ورافقها تصعيد في القصف المدفعي والصاروخي الذي استهدف مواقع محددة في جبل عندان والشيخ عقيل وعندان والمعارة وياقد العدس وكفربسين، وهي المواقع التي من المفترض أن تكون هدفاً للعملية العسكرية المتوقعة. كما كثفت المقاتلات الحربية الروسية من غاراتها التي استهدفت المواقع ذاتها ومواقع أخرى قرب مدينة دارة عزة.
وبالتزامن مع تحركات النظام و"حزب الله" شمالي حلب، أفرغت "وحدات حماية الشعب" الكردية قريتي باشمرة وذوق كبير، التي تسيطر عليها "الوحدات" قرب نبل والزهراء وتلة الطامورة. وهي قرى تقع في خط مواجهة مباشر مع المعارضة، ومن الممكن أن تتحول إلى خطوط اشتباك في حال دخلت "الوحدات" كشريك في العملية العسكرية.
حقق "حزب الله" مكاسب كبيرة خلال العامين الماضيين من قتاله إلى جانب النظام في حلب، نظراً للعتاد الحربي الذي استولى عليه من المعارضة، والدعم المقدم من روسيا وإيران. كما أصبح له ذراع سوري باسم "حزب الله السوري" الذي يمتلك قدرات عسكرية وبشرية لا يستهان بها مقارنة بالمليشيات الأخرى الموجودة في حلب. ويتجاوز قوام مليشيا "حزب الله السوري" المتمركزة في حلب 10 آلاف مقاتل، تتنقل إن دعت الحاجة إلى الجبهات خارج حلب، كما حصل مؤخراً في ريف حماة الشمالي.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن القول إن "حزب الله" هو من يحكم مناطق سيطرة النظام في حلب، وبيده القرار النهائي، أو ما يزال يحتفظ بالعدد السابق من مقاتليه اللبنانيين الذين توافدوا بأعداد كبيرة فاقت 3000 مقاتل أثناء معارك حصار حلب والسيطرة على أحيائها الشرقية، لكنه على أقل تقدير الحليف الأكثر موثوقية بالنسبة لإيران والنظام وروسيا، والمعوّل عليه في حماية وجود النظام في حلب، وإنشاء قوة عسكرية ضخمة في الشمال السوري يتم استخدامها في معارك استراتيجية لاحقة تتجاوز حدود المحافظة نحو الشرق ضد التنظيم أو باتجاه إدلب.