وذكّر التقرير بمذكّرات هنري كسنجر الديبوماسي الشهير الذي شغل منصب وزير الخارجية الأميركية من 1973 إلى 1977 في عهد الرئيس جيرالد فورد، وقارن التقرير بين حافظ الأسد الأب وبشار الأسد الإبن.
ولفتت "نيويوركر" إلى أنّه منذ الإنقلاب الذي حصل عام 1970، والذي أتى بآل الأسد الى السلطة، فقد أغضبت سلالة الأسد- من الأب حافظ الى نجله بشار- 9 رؤساء للولايات المتحدة.
صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إنّ اللقاء الأول الذي عقده كسنجر بحافظ الأسد عام 1973، استمرّ حتى الحادية عشرة ليلاً، وقال كسنجر في مذكّراته: "الأسد كان يتفاوض بتماسك وجرأة".
كذلك في العام 1991، رفعَ وزير الخارجية الأميركية جايمس بايكر منديلاً أبيض بعد 10 ساعات من النقاش مع الأسد، أراد استراحة لدخول الحمام. وكان يصف التفاوض المطوّل مع الأسد بـ"دبلوماسية المثانة".
يقول كسنجر عن لقاءاته مع حافظ الأسد أنّها كانت إستهلاكًا للوقت، إجهادًا للأعصاب وغير مألوفة. والجدير ذكره أنّ الدبلوماسي الأميركي قام بـ28 رحلة الى دمشق، 14 منها كانت خلال شهر واحد للتفاوض حول حرب تشرين عام 1973 والصراع العربي الاسرائيلي مع الأسد. كما توسّط كسنجر لاتفاق مع الأسد عام 1974 يقضي بفصل القوات السورية والإسرائيلية في هضبة الجولان.
بعد أقلّ من شهر على اللقاء، أصبح ريتشارد نيكسون الذي حكم أميركا خلال الفترة الممتدة من 1969 إلى 1974، الرئيس الأول الذي يزور دمشق، وقد استقبل بـ21 طلقة رصاص ترحيبية، ورافق الأسد في سيارة مفتوحة، فيما كانت مئات الأعلام الأميركية تُرفرف إضافةً الى لافتات ترحيبية به. ولكن لا نيسكون الذي أجبر على تقديم إستقالته بعد شهرين من زيارة سوريا ولا جيرالد فورد (1974 – 1977) تمكّن من تحويل العلاقة مع الأسد الى سلام دائم في الشرق الأوسط.
وأشارت المجلّة الى أنّ سوريا كانت ضعيفة وغير مستقرّة بعد الإستقلال من فرنسا عام 1946، وقد شهدت 20 إنقلابًا خلال 21 عامًا، وما فعله حافظ الأسد كان الأخير عام 1970.
الرئيس الأميركي جيمي كارتر (1977 – 1981) التقى حافظ الأسد في جنيف، لاستطلاع الأفق حول مؤتمر أميركي سوفياتي حول السلام في الشرق الأوسط.الأسد كان متشبتًا بموقفه، ودعاه كارتر لزيارة واشنطن، لكنّه ردّ بأنّه لا يهتم بتاتًا بزيارة أميركا، بحسب ما كتب كارتر لاحقًا.
بعد عام، توسّط كارتر لإتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، ردّ الأسد حينذاك بتعميق العلاقات مع موسكو.
ورأت المجلّة أنّ الأسد لعب دور "مُفسد السلام" خلال فترة إدارة رونالد ويلسون ريغان، الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأميركية (1981 – 1989).
تقول الصحافية روبن رايت: "في العام 1981، كُنت أغطّي القمّة العربية في المغرب، حيث كان الملك فهد قد قدّم مشروعًا حول السلام من 8 نقاط، مدعومًا من واشنطن، للإعتراف بحق إسرائيل "بالعيش بسلام"،امتنع الرئيس السوري حافظ الأسد عن حضور القمة، ولم يكن ممكناً إقرار مبادرة فاس من دونه.
التوتر بين ريغان والأسد أصبحت عدوانية بشكل علني بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان، وحينما دعم وزير الخارجية جورج شولتز، التفاوض على اتفاق بين إسرائيل ولبنان، نسفه الأسد بعد رفضه سحب قوّاته التي كانت في لبنان.
وتابعت المجلّة أنّ الأسد لعب أدوارًا استراتيجية، فقد دعم نمو "حزب الله" في لبنان وانتشار الحرس الثوري فيه، وفي نيسان 1983، وقع إستهداف للسفارة الأميركية في بيروت، فحمّلت الولايات المتحدة المسؤولية للأسد إضافةً الى إيران و"حزب الله"، واتهمتهم بإنشاء نوع جديد من الحرب. بعد 35 عامًا، أصبح "حزب الله" أحد أبرز الأحزاب قوّةَ في الشرق الأوسط، وقد أرسل 10 آلاف عنصر لمساعدة الأسد الإبن في الحفاظ على السلطة.
ريغان قال في مذكراته إنّ الأسد لم يكن يتردّد باستخدام العنف للوصول الى غاياته. وقامت الإدارة الأميركية في عهده علاقات ديبلوماسيّة مع دمشق، وتواصلت مع الأسد. لكن بعد إجتياح الرئيس الراحل صدام حسين للكويت في آب 1990، تبيّن أنّ هناك تقاطعًا بالمصالح بين واشنطن ودمشق. فقد كانت سوريا والعراق في منافسة، فأرسل الأسد آلاف الجنود للإنضمام الى قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية لدفع العراق من الكويت، البلد الغني بالنفط.
وبعد مدّة إنهار الإتحاد السوفياتي ما كلّف الأسد حليفه الأبرز في العام 1991. وسردت المجلّة بعد ذلك أحداثًا وقعت في عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
وتابعت: "كان ينوي حافظ الأسد أن يتولّى إبنه باسل السلطة من بعده، ولكنّ الأخير قضى في حادث سير، فقدم بعده بشار الى السلطة".
جورج بوش الإبن بحث عن إحتمالات مع الأسد الجديد. وأرسل كولين باويل 3 مرات الى دمشق، ولكن بعد الإجتياح الأميركي للعراق في العام 2003 سمح الأسد لآلاف الجهاديين الغربيين باجتياز الحدود للدخول الى العراق ومحاربة القوات الأميركية هناك. وعام 2007، كشفت وكالة الإستخبارات المركزية عن بناء مفاعل نووي سري في دير الزور ، بالتعاون مع تقنيين أتوا من كوريا الشمالية، فقامت الطائرات الإسرائيلية بقصف ذلك الموقع خلال البناء. بوش قال حينها: "نفذ صبري من الأسد، فهو يدعم حماس، يساعد حزب الله، إنتحاريون يدخلون من سوريا الى العراق ويزعزع إستقرار لبنان".
بعد دخول باراك أوباما الى البيت الأبيض عام 2009، تناول وزير الخارجية آنذاك جون كيري وزوجته تيريزا العشاء مع الأسد وزوجته في مطعم في دمشق. وقال حينها كيري للصحافيين "إنّ الإدارة السورية تلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق الإستقرار والسلام في المنطقة".
ولكن الأحداث تسارعت ولم تكن على ما يُرام، حتّى جاء الرئيس الجديد دونالد ترامب، والذي بدأت تتوضّح ملامح سياسته.
(نيويوركر - لبنان 24)