هي ساعات مصيرية يمر بها لبنان. الوطن الصغير منارة الحرية، الذي قاوم منذ تأسيسه أنظمة الإستبداد في هذا الشرق وأدواتها، يخوض في هذه الأيام، بل في هذه الساعات، معركة وجودية، في مواجهة آخر نتاج الأنظمة الظلامية للمحافظة على التعددية والتنوع وكيانه الحر الحضاري وسط هذا البحر من الأحادية – الديكتاتورية العميمة.
مجلس الوزراء يخوض في مناقشة قانون الإنتخاب على وقع التهديدات التي يطلقها “حزب الله” منذ أيام، والتهويل بالحرب الأهلية إن لم تُقر “النسبية الكاملة” كنظام إنتخابي، وقد أفلت جوقته لرفده ورفع منسوب التهويل.
على اللبنانيين الأحرار، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين وليبيراليين ويساريين متنورين ومن كافة المشارب والإتجاهات، أن يعوا الخطر الوجودي الذي يتهددهم ويتعالوا على صغائر الأمور في هذه اللحظات المصيرية التي يمر بها الوطن، ويهبّوا لقول لا كبيرة لـ”حزب الله” و”لولايته الإسلامية الظلامية”، فالمصير الذي ينتظرهم مظلم أسود والتاريخ – القريب – ما زال ماثلاً أمامهم.
بالأمس القريب أخرج اللبنانيون الأحرار الإحتلال السوري من بلادهم بعد تضحيات لا تحصى على مدى عقود، وما زالوا حتى اليوم يعانون تبعات ذاك الإحتلال الذي أورثهم فساداً غير مسبوق وإنحلالاً لكافة مؤسسات الدولة، وديوناً تشير التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية “الأكثر تواضعاً” الى أن نسبة ما تمت سرقته من الإقتصاد اللبناني على يد الإحتلال السوري وأزلامه تفوق الـ125 مليار دولار أميركي.
الخطة إياها التي مارسها الإحتلال السوري البائد لإخضاع لبنان والهيمنة النهائية عليه، يمارسها “حزب الله” اليوم “بطريقة ناعمة” لمحاولة القضاء أو تطويق “القوات اللبنانية” التي تقف بصلابة في مواجهة مخططه الجهنمي لوضع يده على البلد وتغيير هويته.
في بداية تسعينيات القرن الماضي رضخ الجميع لإرادة حافظ الأسد بالإنقلاب على “إتفاق الطائف” والميثاق وصيغة “العيش معا”، إما قناعة وتواطؤاً أو عجزاً وضعفاً على طريقة “لا حول ولا…”. وحدها “القوات اللبنانية”، رغم الإغراءات التي لم تقدم لأحد من الأطراف السياسية للسير في الركب، وقفت وتصدت “باللحم الحي” ورفضت الخضوع، وعانت من القتل والسجن والإضطهاد وأبشع أنواع التنكيل والتعذيب في أقبية المخابرات، ولم ترضخ، وبقيت صامدة إلى أن أثمرت تضحياتها في “14 آذار” المجيد، يوم خرج اللبنانيون لإذلال المحتل وإخراج لبنان من السجن الكبير.
أدرك حافظ الأسد يومها أنه ولكي تسلس له السيطرة على لبنان، يجب القضاء على “الثور الأبيض”، يجب القضاء على “القوات اللبنانية”، فيخاف من يخاف وينال اليأس ممن بقيت في نفوسهم ذرة أمل ويستسلموا لقدرهم المحتوم وتنتهي حكاية وطن الأرز رقماً للمحافظة الـ 19 في “سوريا الأسد”.
الخطة إياها يعتمدها “حزب الله” اليوم عبر محاولة تمرير “النسبية الكاملة” في قانون الإنتخاب لإخضاع الجميع تمهيداً “لإعلان” دولة “لبنان الولي الفقيه” بالفعل والواقع ولو من دون إعلان صريح. وكما بالأمس “القوات” في المواجهة، لذلك وجب محاصرتها وعزلها عبر قانون الإنتخاب بعد فشل كل محاولاته السابقة للقضاء عليها. لنتذكر، منذ أيام مرت ذكرى محاولة إغتيال سمير جعجع في مقره في معراب.
أيها اللبنانيون الشرفاء الأحرار، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين ويساريين متنورين وحراكاً ومجتمعاً مدنياً ومن كل الفئات والإتجاهات… لا تهويلاً ولا تخويفاً ولا إثارة لهواجس وكوابيس، بل حقيقة وواقعاً لا يمكن إنكاره. الخطر من طبيعة وجودية على وطنكم. يكفي أن تتذكروا كيف سيطر الخميني على إيران وقضى على تضحيات الإيرانيين الأحرار على مدى عقود للتخلص من نظام الشاه المستبد.
يكفي أن تتذكروا أن الإيرانيين الأحرار واليساريين والشيوعيين هم أصحاب الثورة الإيرانية الأصليين الذين كانوا يحلمون بإيران حرة متعددة متنوعة، قبل أن يسرق “الولي الفقيه” أحلامهم بعد مهادنة لبعض الوقت ثم إنقض عليهم تقتيلاً وتعذيباً وسجناً وتشريداً وتهجيراً في كل أصقاع الأرض.. وما زالوا…
تذكروا أن مشروع “حزب الله” الذي لا يخجل به بل يعلنه جهاراً نهاراً، هو “الجمهورية الإسلامية في لبنان”، وما زال صوت إبراهيم أمين السيد يصدح: “حزب الله ليس جزءا من الجمهورية الإسلامية في إيران، بل نحن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان”.
أيها اللبنانيون الشرفاء الأحرار، في مقالة سابقة بعنوان “دق الخطر و”القوات” إتخذت قرارها: أيها اللبنانيون… ماذا ستقررون؟”، أشرنا إلى الخطر المحدق بلبنان، بهويته، بطريقة العيش التي إخترتموها. “حزب الله” يتوسل “النسبية الكاملة” للقضاء مرة نهائية على لبنانكم هذا. أنظروا إلى ما يحصل في الضاحية والجنوب والبقاع، أنظروا الى ما يحصل في المناطق الخاضعة لسيطرته، وآخرها عراضة “الحزب” في الضاحية الجنوبية، هذا ما ينتظركم. لا لبس ولا إجتهاد، الحقيقة الساطعة أمام أعينكم. وصل الأمر بأحد القضاة الدائر في فلك “حزب الله” إلى إصدار حكمه بالإستناد إلى “الأحكام الشرعية” وليس بإسم الشعب اللبناني بالإستناد إلى الدستور والقانون اللبنانيين… فماذا سيفعل إن سمحتم له بالسيطرة على مجلس النواب عبر “النسبية الكاملة”؟
أيها اللبنانيون الشرفاء الأحرار، هذه عين الحقيقة، فلا تغفلوا. الخطر وجودي، “حزب الله” مدعوماً من فلول الإحتلال السوري البائد يخوض معركة “النسبية الكاملة” إلى النهاية، “القوات اللبنانية” تتصدى وتصمد، هلموا معاً جنباً إلى جنب لنُعلي الصوت في مواجهته، هبّوا واصرخوا بأعلى حناجركم: لا لـ”النسبية الكاملة”، لا لـ”لبنان الولي الفقيه”، نعم للبنان الحرية والعدالة وكرامة الإنسان، نعم للبنان التعددية والتنوع، نعم لـ”لبنان الرسالة” والميثاق و”العيش معا”.
هبّوا واصرخوا بأعلى الصوت. الخطر على الأبواب، قبل أن تقفوا في يوم تتحسرون نادمين على لبنانكم الذي أضعتموه وقد وقفتم متفرجين.. عندها لن تنفعكم “لات ساعة مندم…”. عندها يكون قد فات الأوان…
المصدر: القوات اللبنانية