ترى أوساط سياسية أن السجال الجاري بين إيران والأردن يعكس أعراضا لقلق إيراني متزايد من انقلاب المشهد الإقليمي، حيث تستشعر طهران وجود نوايا أميركية فعلية لضرب نفوذها بالمنطقة، واستهداف الولايات المتحدة مؤخرا لقاعدة الشعيرات الجوية وسط سوريا بصواريخ توماهوك المتطورة إحدى الرسائل المعنية بها إيران.
ويتعمق القلق الإيراني أكثر مع ورود معطيات عن تحركات أميركية أردنية مشتركة في الجنوب السوري، هذا الشطر الذي تريد إيران مد نفوذها فيه لتصبح على تماس مباشر مع إسرائيل ومن خلال ذلك تمسك بالورقة الأقوى لليّ ذراع الجانبين الأميركي والإسرائيلي وحتى الأردني المعني بشكل كبير بهذا الخطر على حدوده.
وأكدت مصادر من المعارضة السورية التي تدعمها عمّان أنها حصلت على مساعدات عسكرية أميركية في الفترة الأخيرة لرد تهديد تنظيم داعش (المتعاظم في هذه المنطقة) وأيضا الميليشيات الإيرانية.
وتدرك طهران أن دول المنطقة المتضررة رقم واحد من ممارساتها ونشاطاتها التوسعية، من مصلحتها أن توحد جهودها مع الجانب الأميركي لكف يدها عنها.
وأكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مؤخرا أن “هناك مشاكل استراتيجية لإيران علاقة بها في منطقتنا”، محذرا من أن “هناك محاولة لإيجاد تواصل جغرافي بين إيران والعراق وسوريا وحزب الله في لبنان”.
وكشف أنه ناقش الأمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلا “وهو يدرك جيداً نوايا إيران الاستراتيجية بأن يكون لها نفوذ هناك”. وقال الملك إن “الحرس الثوري الإيراني على بعد 70 كيلومترا تقريبا (في جنوب سوريا). وهذه الأخبار غير جيدة بالنسبة إلينا”.
وشدد الملك عبدالله الثاني “كنا في غاية الوضوح مع روسيا، بأن مجيء لاعبين آخرين، من تنظيمات وغيرهم، إلى حدودنا لن يتم التهاون معه”.
تصريحات ملك الأردن استفزت طهران وهو ما بدا واضحا من ردود أفعال المسؤولين الإيرانيين القوية، ويرجح مراقبون ألا تكون فقط تلك التصريحات ما أخرج طهران عن “طورها” وإنما الحراك الأردني الأخير والذي تعتقد أنها مستهدفة منه.
وردا على التصريحات الإيرانية المعادية اضطرت عمان إلى الإقدام على خطوة استدعاء السفير الإيراني ما يفتح صفحة جديدة من المواجهة بين طهران والمنظومة العربية المناوئة لها في المنطقة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، مساء الأحد، أنها استدعت سفير طهران لدى عمان وأبلغته احتجاجها على الانتقادات الإيرانية للملك عبدالله الثاني.
وقالت الوزارة في بيان لها إنها أبلغت السفير مجتبى فردوسي بور “احتجاجا شديد اللهجة على تصريحات مرفوضة ومدانة لناطق باسم وزارة خارجية إيران بحق المملكة وقيادتها”. وأضافت أن تلك التصريحات “محاولة فاشلة لتشويه الدور المحوري الذي تقوم بها المملكة في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين ومحاربة الاٍرهاب وضلالته والتصدي لمحاولة بث الفتنة ورفض المتاجرة بالقضايا العربية”.
وكان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قد وصف تصريحات الملك عبدالله بأنها “سخيفة وغير مدروسة”. وقال قاسمي “يبدو أن ملك الأردن وقع في خطأ استراتيجي وأساسي في تعريف الإرهاب والعبارات”، مضيفا أنه “من الصواب له أن يلقي في البداية نظرة بسيطة على الإحصائيات الرسمية الصادرة حول الإرهابيين الأردنيين الذين انضموا إلى داعش وسائر الجماعات الدموية والجاهلة ومن ثم يبدي وجهة نظره حول إيران”.
وحضت الخارجية الأردنية إيران على “التزام علاقة حسن الجوار مع الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها واحترام المواثيق والأعراف الدولية في تصرفاتها وتوجهاتها إزاء تلك الدول”.
وتلفت أوساط مراقبة للشؤون الإيرانية إلى أن طهران لطالما راقبت الموقف الأردني كمؤشر صادق على حال المزاجيْن الدولي والإقليمي حيالها، وهي تذكر جيداً أن العاهل الأردني هو أول من حذر من “الهلال الشيعي” عام 2004 واعتبره خطة تعمل عليها إيران لتعزيز نفوذها في المنطقة.
وعادة ما تتحاشى الدبلوماسية الإيرانية الرد على التصريحات التي تنتقد تحركاتها العدوانية بالمنطقة، وردها اليوم على القيادة الأردنية نابع من إدراكها بأن عمان تتبنى نهجا مدروسا بدقة في إطلاق التصريحات.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردني الفريق الركن محمود فريحات، قد منح في أواخر ديسمبر الماضي قناة البي بي سي عربي مقابلة لافتة في التوقيت والمضمون، أكد فيها أن لا خطط للأردن ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ملمحا إلى تنسيق أمني جار بين عمان ودمشق. لكن فريحات حذّر بالمقابل من “حزام بري” يصل إيران بلبنان، معبرا عن قلق الأردن من تقدم فصائل الحشد الشعبي باتجاه منطقة تلعفر.
وترى مصادر دبلوماسية غربية أن موقف الأردن الذي يعتبر، من خلال موقف فريحات، أن مصير الأسد ليس أولوية لعمان وهذا سابق على موقف واشنطن الذي أعلن في هذا الشأن قبل أسبوع. كما أن الموقف الأردني من إيران هو سابق على موقف الرئيس ترامب بسنوات، وإن كانت رؤية الزعيمين باتت متطابقة في هذا الشأن هذه الأيام.
وتتخذ الإدارة الأميركية من كبح جماح إيران في المنطقة إحدى أولوياتها، خاصة بعد أن باتت طهران من خلال أذرعها السياسية والعسكرية تهيمن على أكثر من بلد عربي.
ولطالما انتقد الرئيس دونالد ترامب سلفه باراك أوباما حيال طريقة تعاطيه مع الجانب الإيراني حيث اعتبره المسؤول الرئيسي عن هيمنة طهران على العراق.
وتتشارك دول المنطقة ومن بينها الأردن هذا الرأي، وتعلم عمّان أن حديث المسؤولين الإيرانيين المتكرر عن رغبتهم في فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة لا يعدو أن يكون سوى مجرد غطاء لتنفيذ سياستها التوسعية.
وسبق أن حاولت إيران جذب الأردن أو على الأقل تحييده في أزماتها مع الدول العربية الخليجية منها على وجه الخصوص من خلال إغراء عمّان بضخ استثمارات لديها، إلا أن موقف الأردن بقي عصيا عليها.