لا مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان بوارد التراجع عن توقيعه على تشكيلات قادة المناطق التي أصدرها ولا رئيس "شعبة المعلومات" العقيد خالد حمود بوارد التراجع عن قرارات تعيين رؤساء الفروع في "الشعبة".
بالمقابل، عين التينة المعترضة على "الشق الشيعي" في التعيينات تلوّح بتصعيد أكبر بعد ان تولّت الردّ مباشرة على تعيينات قوى الامن و"الشعبة" بتطيير موظفين محسوبين على "تيار المستقبل" في مواقع تابعة لوزارة المالية وبوقف المخصّصات السرّية لـ "الشعبة" التي يفترض ان تصل خلال أيام الى المديرية لكنها مهدّدة بالتجميد بكبسة زر من عين التينة.
حين "بجّت" بين عين التينة ومديرية قوى الامن كان الرئيس سعد الحريري خارج لبنان متنقلا من عمان الى باريس ثم الى بروكسل، كذلك الامر كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يشارك في أعمال مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس، لذلك يراهن المتابعون للملف أن يدخل الوسطاء سريعا على الخط لتحلّ كالعادة "بالسياسة".
عمليا، لم ينفع العشاء الذي جمع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري بعد تعيين العماد عثمان مديرا عاما لقوى الامن الداخلي وحمود رئيسا لـ "الشعبة" في وقوع المحظور.
فتح موضوع التعيينات بين الرجلين في ما يخص بعض المواقع الشيعية في قوى الامن و"الشعبة" لكن الامور لم تحسم، خصوصا ان العشاء جاء عقب لقاء بين عثمان وبري لم يكن موفقا. كاد الامر ان يؤخّر تقليعة المدير العام وصار الكل ينتظر من "سينتصر" على الاخر.
فترة طويلة نسبيا بلغت 23 يوما فصلت بين تعيين عثمان في جلسة 8 آذار في مجلس الوزراء وتعيين حمود على رأس "الشعبة" في اليوم نفسه، وبين صدور تشكيلات قادة المناطق ورؤساء الفروع في "الشعبة". فترة شدّ حبال بين عين التينة والمديرية انتهت بانتصار "خيار" وسام الحسن... وللحديث تتمة!
أبلغت عين التينة اللواء عثمان، عبر أحد الضباط، فور تعيين الاخير مديرا عاما برغبتها بتعيين بعض الضباط الشيعة في مواقع محدّدة، خصوصا في رئاسة الامن العسكري. ترك للمفاوضات أن تأخذ مداها، لكن الرئيس نبيه بري، تحديدا عبر مسوؤل الملف الامني والعسكري في عين التينة أحمد بعلبكي، رفض أن تكون "الامرة" في هذه المواقع لعثمان وحمود. تعنّت عين التينة قوبل بإصرار الضابطين على عدم تغيير "السياسة" التي أرساها اللواء وسام الحسن.
كان وسام الحسن، ومنذ تعيينه رئيسا لـ "فرع المعلومات"، متأثرا بأسلوب عمل الرئيس رفيق الحريري لناحية الفريق الذي يعمل الى جانبه وضرورة أن يكون متنوّعا طائفيا. بعد تعيينه وجد نفسه أمام ما يشبه منظومة ذات صبغة أمنية سنية محض. وجد أيضا من الضباط من يدق على الوتر "التغييري" نفسه، بينهم رئيس "الشعبة" حاليا خالد حمود، فكان قرار الحسن باعتماد "تلوينة" طائفية تعتمد على الكفاءة أولا.
هكذا وضمن فروع "الشعبة" المستحدثة (بالقانون لا وجود لـ "الشعبة" لأن مجلس الوزراء لم يصدر مرسوم تحويل "فرع المعلومات" الى "شعبة)" حدّد الحسن ثلاثة مواقع للشيعة هي الامن العسكري، فرع الجنوب، وفرع الرصد والتعقب، أما البقية فتوزّعت كالاتي: فرع الخدمة والعمليات (مسيحي)، فرع الحماية والتدخل (سني) فرع الامن القومي (سني) فرع التحقيق (مسيحي). كما يتبع لرئيس "الشعبة" فروع هي فرع جبل لبنان (مسيحي) بيروت (سني) البقاع (مسيحي) الشمال (سني) الجنوب (شيعي).
وآنذاك اختار الحسن ثلاثة ضباط شيعة برتبة مقدم في الامن العسكري (الذي شغله سعيد فواز حتى تاريخ تعيينه قبل أسابيع رئيسا لوحدة الادارة المركزية في قوى الامن الداخلي) والرصد والتعقب وفرع الجنوب وذلك بمعزل عن أي تدخل سياسي من جانب عين التينة أو الضاحية. وبالتالي كان خيار وسام الحسن الشخصي هو الحاسم وليس كلمة الثنائي الشيعي.
أبقي على سعيد فواز في موقعه طوال تلك السنوات، فيما تعاقب عدّة ضباط شيعة في "فرع الجنوب" بقرار مباشر من الحسن ومن دون اي اعتراض من جانب "حركة أمل" (يشغل الموقع حاليا المقدم زهير عاصي وهو نجل أحد المقربين جدا من الرئيس بري).
أما "الرصد والتعقب" الذي أنشئ لاحقا فعيّن العميد الحسن في هذا الموقع علي سكينة واستمر في موقعه الى حين تعيينه قبل أيام قائدا لمنطقة الشمال في وحدة الدرك الاقليمية وهو الأمر الذي أثار أيضا اعتراض عين التينة كون الامر تمّ من دون أخذ موافقة بري. في التشيكلات الاخيرة التي أصدرها حمود تمّ تعيين الرائد حسين المولى لرئاسة فرع الرصد والتعقب لكن عين التينة "طنّشت"، فالعين محمّرة على الامن العسكري فقط!
سعيد فواز طليع دورته، ابن بلدة تبنين مسقط رأس الرئيس بري، لم يشكّل يومذاك خيارا نافرا لعين التينة حين تسلّم الامن العسكري، أما بالنسبة للحسن فكان ضابطا يستأهل أن يكون في موقع هو من الاهمّ في هرمية "الشعبة" وقد يفسّر ذلك ببساطة حجم الغضب الذي اعترى عين التينة لمجرد إقدام عثمان وحمود فور تعيينهما في مواقعها على تزكية الرائد ربيع فقيه وليس من اختاره الثنائي الشيعي.
فالامن العسكري في منظومة عمل "فرع المعلومات" هو تقريبا كل شئ: من التشكيلات والعسكر والضباط الى المرامل والكسارات ومخالفات البناء والتعديات والمراقبة والمخافر والعمل الامني والجنائي وسرقة السيارات... موقع بصلاحيات متفرّعة وهامة تشكل احتكاكا مباشرا ليس فقط مع المواطنين إنما مع السياسيين وأصحاب النفوذ يضاف الى ذلك "السطوة" على الضباط أنفسهم... يمكن بالتأكيد هنا فهم مغزى الاهمية التي تعلّقها عين التينة على هذا الموقع بالذات.
بالنسبة لقائد منطقة الشمال العقيد علي سكينة المقاربة مختلفة. فالضابط الذي يوصف بالكفوء من قبل "جماعة بري" مشكلته ربما أنه أتى الى هذا الموقع الشيعي في قوى الامن ليس فقط من دون أخذ موافقة عين التينة بل لأنه من ضباط "الفرع" أساسا، تماما كما العقيد ربيع مجاعص (موقع مسيحي) الذي عيّن قائدا لمنطقة البقاع وكان أيضا من ضباط "الفرع". هذا مع العلم أنه بعكس تعيين الضباط في "فرع المعلومات" حيث يكون القرار داخلي محض، فإن كافة التعيينات التي تتعلق بضباط قوى الامن تخضع للأخذ والردّ بين القوى السياسية.
في السياسة يمكن استخلاص النتائج بشكل أسهل. في "فرع المعلومات" ثمة من يريد تثبيت خط أرساه وسام الحسن في جعل "الأمرة" في التعيين لأصحاب الشأن فقط الى حدّ تأكيد بعض ضباطه الى ان الرئيس سعد الحريري حتّى لم يكن له حق الفرض والايعاز في ما كان يراه الحسن الانسب لعمل "الفرع"، والامر استكمل مع العميد عثمان وسيستكمل مع العقيد حمود وهو "سرّ نجاح" الفرع.
ويذهب هؤلاء الى حدّ القول "هناك مواقع سنية في الامن العام هامة ومعروفة في الامن العام للواء عباس ابراهيم الصلاحية المطلقة في تعيين من يراه الانسب فيها، فهل من سمع الحريري يعترض على ذلك؟".
أما لدى "حركة أمل" مدعومة من "حزب الله" هناك نظرية تقول بأن أيام الحسن قد ولّت وبأن "الخط " الذي انتصر في السياسة لا بد أن يجد ترجماته في العديد من المواقع حتى في عمق "البيت المستقبلي" الامني، لكن هذا الامر لم يحصل وحتى الان لم تهمد الحرب المعلنة من الرئيس بري، عبر قرارات الوزير علي حسن خليل بتطيير بعض الموظفين المحسوبين على "المستقبل" ووقف المخصّصات السرية للمديرية.
للعلم والخبر وقف المصاريف السرية لـ "الفرع" لن يكون المرة الاولى، سبق أن فعلها رئيس وحدة الادارة المركزية السابق العميد أسعد الطفيلي لثلاثة أشهر لسبب "أسخف" من ذلك استدعى يومها تدخل الوزير نهاد المشنوق مع الرئيس بري لحلّ الامر!
لبيانون فايلز