عكست الضربة الأميركية لمطار الشعيرات العسكري في سوريا جدية رسائل إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرئيس السوري بشار الأسد وداعميه الروس والإيرانيين.
وقالت مراجع سياسية عربية في واشنطن إن الهجوم الصاروخي على القاعدة السورية كان رسالة واضحة إلى الأسد بأن يخرج من وهم المنعة بوجود روسيا، وأن تعطيل الفيتو الروسي لقرارات مجلس الأمن لن يحول دون القصاص من النظام السوري ولو في شكل تحرك أحادي.
وأشارت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي خلال اجتماع لمجلس الأمن إلى أن الأسد كان يظن أنه يستطيع الإفلات، معتقدا أن "روسيا ستقف في ظهره".. و“هذا تغير الليلة الماضية”.
وأضافت أن بلادها “قامت بخطوة مدروسة جدا (...) نحن مستعدون للقيام بالمزيد، لكننا نأمل بالا يكون ذلك ضروريا”.
واعتبرت المراجع أن الرد الأميركي السريع على الهجوم الكيماوي في إدلب يعطي انطباعا جديا بأن إدارة ترامب بدأت بالتخلص من مخلفات التردد الذي طبع السياسة الأميركية في فترة باراك أوباما، وهو ما استثمرته قوى إقليمية ودولية للتدخل في سوريا بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء محليين.
ومثلت الضربة اختبارا جديا لمدى استعداد روسيا لحماية حليفها الأسد من الضربات الجوية المفاجئة. وكان واضحا وجود تنسيق بروتوكولي بين موسكو وواشنطن حول الضربة، وهو تقليد تحتكم إليه القوى الكبرى في ما بينها.
وقال مسؤولون أميركيون إنهم أخطروا القوات الروسية بأمر الضربات الصاروخية قبل حدوثها وإنهم حرصوا على تفادي إصابة جنود روس في القاعدة.
وأضافوا أنه لم تقع ضربات على أجزاء من القاعدة كان جنود روس موجودين فيها. لكنهم قالوا إن الإدارة الأميركية لم تسع لنيل موافقة موسكو.
ويبدو أن موسكو تجنبت الرد الاستباقي على الصواريخ الأميركية ضمن هذا التقليد، تماما مثلما تعاملت مع القصف الإسرائيلي المتكرر ضد مواقع الأسد، أو ميليشيا حزب الله اللبناني.
وأعلن الجيش الروسي الجمعة أنه “سيعزز” الدفاعات الجوية السورية بعد الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة عسكرية لنظام دمشق، وفق ما قال المتحدث العسكري.
وقال إيغور كوناشنكوف “من أجل حماية البنى التحتية السورية الأكثر حساسية، سيتم اتخاذ سلسلة من التدابير بأسرع ما يمكن لتعزيز وتحسين فاعلية منظومة الدفاع الجوي للقوات المسلحة السورية”.
وتشعر روسيا بإحراج مزدوج بسبب هذه الضربة، فهي من ناحية كسرت الانطباع السائد بأن الأسد في حمايتها.
ومن ناحية ثانية بات واضحا أنها لم تنجح بإلزامه الحفاظ على الخطوط الحمراء في الصراع، وبينها عدم استعمال الكيماوي والكف عن استهداف المدنيين في حربه مع المعارضة.
وأحرجت الضربة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي نجح لأكثر من عام في الظهور كزعيم جاد في حماية حلفائه، وقادر على فرض رؤية بلاده في الملف السوري على مختلف الخصوم.
وقال الكرملين إن بوتين اجتمع مع مجلس الأمن الروسي الجمعة وبحثوا بقاء سلاح الجو الروسي في سوريا في أعقاب الضربات الصاروخية الأميركية.
فيما أعلن فيكتور أوزيروف رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي وهو المجلس الأعلى للبرلمان إن “نظامي إس-300 وإس- 400... يضمنان بشكل كاف أمن قواتنا المسلحة على الأرض وكذلك عن طريق البحر والجو”.
ويميل خبراء ومحللون إلى أن الضربة الصاروخية على مطار الشعيرات ستزيد من التنسيق الروسي الأميركي حول سوريا لمنع أي صدام غير مخطط له، وهو ما قد يساعد على الإسراع بالتوصل إلى حل سياسي عبر الضغط على الأسد والمعارضة وحلفائهما الإقليميين.
ويعتقد أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد والسياسة في موسكو ليونيد سوكيانين أن روسيا لن تغير موقفها من دعم الأسد بعد الضربة الأميركية.
ولكنها بالتأكيد ستكون حريصة على الضغط على الأسد للتعاون بشكل حقيقي في المفاوضات لبدء مرحلة انتقالية حقيقية تركز على الحفاظ على مؤسسات الدولة مع إمكانية حدوث تغييرات في شخصيات النظام في إطار تفاهم سوري ودولي.
وقال سوكيانين لـ“العرب”، “عقدة بقاء أو رحيل الأسد ستبقى قائمة حتى تحدث تفاهمات دولية لصيغة سوريا ما بعد الأسد، وهل ستكون خلال المرحلة الانتقالية أم من خلال الانتخابات، فموسكو حريصة على السماح للأسد بأن يرشح نفسه للانتخابات، ولكن هذه النقطة متروكة للتفاوض السوري – السوري والتفاهمات الدولية”.
وأكد سوكيانين أن الضربة لن تجبر موسكو على تقديم تنازلات، ولكنها لن تقدم غطاء بلا حدود للأسد، فروسيا تقول دائما ليتفاهم السوريون على من يحكمهم.
واعتبر المحللون أن الرسالة الأميركية الثالثة، بعد رسالتي الأسد وروسيا، موجهة إلى إيران ليس فقط في سوريا، ولكن في بقية الملفات الإقليمية، وخاصة في العراق باعتباره الساحة الرئيسية للصراع مع واشنطن.
وستفهم طهران بشكل قطعي أن إدارة ترامب لا تمتلك الكثير من سعة الصدر لتصبر على أسلوبها المتحدي والذي يبالغ في اختبار صبر واشنطن مثلما جرى مع السفن الأميركية في مضيق هرمز، وسعى الحوثيون إلى استنساخه في باب المندب.
لكن مراقبين في واشنطن حذروا من أن تراهن دوائر إقليمية على الهجوم الصاروخي على أنه قرار من ترامب بالانخراط في النزاع السوري على الطريقة الروسية.
ولا يرجح المراقبون أن تكرر واشنطن ضرباتها في أماكن أخرى من سوريا، معتبرين أن هدفها ليس الإطاحة بالأسد أو تغيير موازين القوى لفائدة المعارضة ولا الاشتباك مع روسيا، وإنما التأكيد على تغير المزاج الأميركي تجاه الملف السوري ومختلف اللاعبين داخله.
وأبلغ مسؤول دفاعي أميركي رويترز بأن الهجوم “مُفرد” ما يعني أنه من المتوقع أن يكون ضربة واحدة وأنه لا توجد خطط حاليا للتصعيد.
وكتب المحلل السياسي كيفن درم، في مجلة “مذر جونز” ذات الاتجاه الليبرالي “لا نتوقع الكثير من الهجمة الجوية إلا إذا ذهب ترامب إلى أبعد منها، فهي لا تثبت أن مزاجه للسياسة الخارجية قد تغير، أو أنه قد أظهر عزمه وحسمه”.
وأضاف كيفن درم أن “الرئيس الأميركي بالكاد فعل أصغر وأكثر الأشياء الاعتيادية التي فعلها الرؤساء الأميركيون في ظروف مثل هذه”، في إشارة إلى أن ترامب لن يذهب إلى أبعد من بعث رسالة بهجومه الجوي، ولن يمضي في الحل العسكري إلى أبعد من هذا الحد.
وقال المحامي الأميركي ديفيد فرنتش “إذن ستكون هذه الضربة الوحيدة، وما لم تكن فعالة بشكل غير اعتيادي وغير مسبوق فإن هنالك فرصة ضئيلة لكي تشكل تأثيرا ماديا على نظام الأسد أو مسار الحرب الأهلية نفسها”.
وقال وزير الخارجية الأميركي إن الضربة لا تعني تغير السياسة الأميركية الأشمل بشأن سوريا.
وأضاف “هذا يدل بوضوح على أن الرئيس مستعد لاتخاذ تحرك حاسم عندما يتطلب الأمر... لن أحاول بأي شكل أن أفسر ذلك بأنه تغير في سياستنا أو موقفنا في ما يتعلق بأنشطتنا العسكرية في سوريا حاليا. لم يحدث تغيير في هذا الوضع”.