من السذاجة السياسية أن يتخيل أحد أن الرئيس الأمريكي أمر بقصفيا سوريا بدوافع إنسانية وأنه قصد معاقبة بشار الأسد على الهجوم الكيمياوي لغير المدنيين في خان شيخون والذي لا زال يجري التحقيق الدولي حول حقيقته. إن الولايات المتحدة متعودة على ارتكاب مجازر أبشع وأكبر مما حدث في خان شيخون. كما أنها زودت صدام حسين بالسلاح الكيمياوي ليستخدمها ضد إيران وحتى ضد المدنيين في حلبشة ولم تطالب الولايات المتحدة الأمم المتحدة بفتح ملف الهجوم الكيمياوي في حلبشة العراقية وسردشت الإيرانية. وكان على الرئيس ترامب أن ينتظر خروج اللجنة الدولية بنتائج تحقيقها حول حقيقة ما جرى خلال الهجوم الكيمياوي الأخير وأخذ موافقة الكنغرس على الأقل قبل القيام بقصف سوريا، إن لم نقل بأخذ موافقة مجلس الأمن. ولكن الرئيس الأمريكي استعجل في إصدار الأمر بضرب سوريا.
إقرا أيضا: الضربة الأميركية كانت ضرورية، إلاّ أنّها غير كافية.
لماذا استعجل ترامب في ضرب سوريا؟ يبدو أن ترامب بحاجة ماسة إلى إظهار استقلاله عن روسيا وإزالة الصورة المشوهة التي صنعها لنفسه عبر تقربه أكثر من اللازم إلى روسيا وتملقه وامتداحه للرئيس بوتين خلال الحملة الانتخابية. هذا التصرف الطفولي لترامب تجاه روسيا ورئيسها كان مشينا ومهينا للعقل الأمريكي المتغطرس الذي يعتبر نفسه سيد العالم. فمن المعيب أن تكون رئيسا للولايات المتحدة وتكون في الوقت نفسه ذنبا للقيصر بوتين.
إقرا أيضا: إيران: منافسة بين الشيخ والسيد في الإنتخابات الرئاسية
ودفع فريق ترامب تكاليف باهظة على تقربه للروس خلال هذه الفترة القصيرة بعد مجيئ ترامب. ولهذا ترى الإدارة الجديدة للولايات المتحدة بأنها تحتاج إلى خلق مسافة فاصلة بينها وبين روسيا وليس هناك أرضية مناسبة لخلق تلك المسافة أفضل من سوريا وتمكن ترامب من ضرب عصافير بحجر واحد. فهو تمكن من استرضاء حلفائه العرب والترك الذين رحّبوا بالتدخل الأميركي العسكري ويقولون هل من مزيد؟ كما أرسل رسالة واضحة إلى إيران بالإضافة إلى إظهار الاستقلال أو الانفصال عن روسيا.
لا شك في أن ترامب حقق ما كان يريد إنجازه عبر قصف قاعدة شعيرات الجوية وهو إبانة الخلاف مع الروس، ولن يستمر في التدخل العسكري في سوريا. ينبغي على حلفاء ترامب أن لا يتمنوا منه أكثر مما فعل. إنه لن يصعد إلى شنّ حرب لا ضد بشار الأسد ولا ضد إيران.