تَردّد في بيروت وبقوّة، صدى الـ «توماهوك» الأميركي الذي ضرَب سورية ودشّن تَحوُّلاً جديداً في المنطقة... وعلى وقع الضجيج العسكري والديبلوماسي الذي أحدثتْه صواريخ دونالد ترامب، انتقلتْ «العدسة اللبنانية» وسريعاً من مكانٍ الى مكان. فرغم ان لبنان مقبلٌ على «أسبوعٍ مفخَّخ» يتّضحُ في ضوئه مصيرُ مأزقِ قانون الانتخاب، فان الأنظار اتجهتْ نحو «حزب الله» الذي كان توعّده ترامب قبل 3 أيام بـ «رسالةٍ» لم يفصح عنها لكنه قال: «سترون».
وبدتْ بيروت، المُنْهَكَة بأزماتها، مُنْهَمِكةً، أمس، في «تحليل» مغزى الـ «توماهوك» التي عبَرت من فوق رأسها لتُحدِث قواعد لعبةٍ جديدة في الجوار السوري، وفي استشرافِ ما سيكون عليه الشرق الأوسط المدجّج بالنزاعات، بعدما رسمتْ صواريخ ترامب خطّ سيرٍ مختلفاً، في سياق رصْدٍ للارتدادات المحتمَلة على لبنان، الذي يقف فوق «حبلٍ مشدود»، أوّله الموقف الرسمي بـ «النأي بالنفس»، وآخره تَورُّط «حزب الله» في الحرب كرأس حربةٍ في التحالف الايراني الداعِم للنظام السوري. وسرعان ما وجدتْ بيروت نفسها أمام سؤالٍ صعب عكستْه بعض المداخلات، من خارج النصّ، تحت قبة البرلمان الذي «يحاكم» سياسة حكومته لليوم الثاني: هل تصيب الـ «توماهوك»، التي أظهرتْ حجم الانقسام الاقليمي، التسوية الهشة القائمة على «ربْط النزاع» في لبنان؟ ومردّ هذا السؤال الذي تَردّد همْساً، كان الخشية من أيّ محاولةٍ لإحراج لبنان باتخاذ موقف من الضربة الأميركية التي باركتْها السعودية ونددتْ بها ايران.
ورغم ان الضربة الأميركية جاءت «موضعيْة» لمطار الشعيرات التي انطلقتْ منه قاذفات الكيماوي على خان شيخون، فان التحوّل الذي تشي به قد يُملي على الأطراف السياسية في لبنان «حساباتٍ جديدة» حيال مقاربةِ الاستحقاق الداهم المتمثّل في الحاجة الى حسْم مصير الموقف من قانون الانتخاب، وتالياً مدّة التمديد للبرلمان او الجنوح نحو فراغٍ في المؤسسة التشريعية ينطوي على مغامراتٍ من نوعِ فرْض «مؤتمر تأسيسي» يعيد توزيع «كعكة» السلطة في البلاد.
ومن المقرَّر ان تقبض الحكومة بعد غد على «جمْر» قانونِ الانتخاب بعدما فشلتْ القوى السياسية في التوافق على أيٍّ من الصيغ المتداوَلة، والتي رستْ أخيراً على واحدةٍ اقترحها رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل وتقوم على نظام اقتراعٍ مختلط (أكثري ونسبي)، وثانية يدفع في اتجاهها «حزب الله» الذي يشترط اعتماد «النسبية الكاملة» مع ترْك إمكان التفاوض على عدد الدوائر الوسطى.
وفي غمرة الانتظار الثقيل، ثمة أسئلة في بيروت عن الموقف الفعلي لـ «حزب الله»، الذي غالباً ما يتمّ التعاطي معه كـ «ناظمٍ سياسي - أمني» للواقع اللبناني... لماذا يتفادى الحزب «القوي» إجراء الانتخابات في المدى الزمني المعقول عبر التفاهُم مع حليفه المسيحي «التيار الوطني الحر»؟ وما الغاية من طلب التمديد أقله الى الخريف المقبل؟
رغم ان وكالات الأنباء العالمية لم تُبرِز تَوعُّد ترامب، في مؤتمره الصحافي مع الملك الأردني عبدالله الثاني، لـ «حزب الله» بـ «رسالةٍ سيتلقّونها، وسترون ماذا ستكون»، بعدما أُخذتْ (تلك الوكالات) بموقف الرئيس الأميركي من الأسد، فإن الدوائر المراقبة توقّفتْ ملياً أمام كلام ترامب الذي ربما لم يمرّ مرور الكرام بالنسبة الى «حزب الله» المتوجّس من «مفاجآت» ساكِن «البيت الابيض».
قبل مدّة تبلّغتْ قيادة «حزب الله» معلومة بأن تحضيراتٍ تجري للحرب، قيل ان مصدرها زعيمٌ عربي كبير أسرّ بها الى احد كبار المسؤولين اللبنانيين، وقيل ايضاً إنها وصلت الى الحزب من جهازٍ استخباراتي عربي، ومنذ تلك اللحظة اتّخذ «حزب الله» إجراءات رَفَعتْ من مستوى جهوزيته، وسط اعتقادٍ لديه بأن «الحرب المؤجَّلة» صارتْ احتمالاً قائماً.
ومن غير المستبعد ان تضاعف الرسالة الموعودة من ترامب، والمعطوفة على الـ «توماهوك» والتي أوحت باقتران «الأفعال بالأقوال» في «البيت الابيض» الجديد، من تَحسُّب «حزب الله» الذي ربما يريد إمرار الصيف الأكثر ملاءمَةً للحرب، ومن ثم يبني على الشيء مقتضاه في مسائل أقلّ وطأة تتّصل بالداخل اللبناني كالانتخابات النيابية وسواها.