عرف حزب الكتائب كيف يستثمر في جلسة مساءلة الحكومة، الجمعة 7 نيسان. منذ الدعوة إليها، والنائب سامي الجميل يعد الملف تلو الملف، والوثيقة ربطاً بالأخرى، لتكون كلمته بمثابة إخبار إلى الهيئات أجمع في المؤسسات، ولتكون إعلاناً للنفير الشعبي، خصوصاً أنه غمز من التظاهرات الأخيرة التي شارك حزب الكتائب في الدعوة إليها في بيروت، إحتجاجاً على فرض ضرائب جديدة تطاول المواطنين. في سياق ردود فعل النواب على كلام الجميل، اعتبروا أنه أعدّ ملفّه جيّداً، وحرص على عدم طلب الكلام في النظام طوال ساعات الجلسات الثلاث، ليصبّ التركيز على كلمته، ولعدم تشتيت موقفه.
كان الجميل نجم الجلسات الثلاث، بمعزل عن المناوشات والمشاكسات التي تعمّد النواب افتعالها بين الحين والآخر. وأصر على تصويب سهامه بطريقة علمية في اتجاه الجميع. لدى تلاوة الرئيس نبيه بري اسمه، تأبط الجميل ملفه المحضر والمرتب بعناية. ولدى البدء بكلمته وضع بين يدي رئيس المجلس صوراً تظهر التلوث في المتن، الناجم عن رمي النفايات في البحر. منتقداً خطة النفايات، ومطالباً وزير مكافحة الفساد بسماعه جيّداً. كذلك، بالصور والأرقام صوب الجميل إتهاماته إلى القوى السياسية المشاركة في الحكومة، خصوصاً في ملف خطّة الكهرباء، التي وصفها بالفضيحة. وسأل الجميل: "كيف يُطلب تلزيم أغلى مشروع بتاريخ لبنان لشركة محدّدة بالاسم بالتراضي ومن دون مناقصة؟ وكيف تطلب السلطة من الناس أن يثقوا بها وهي تقدم خطة مطلوب فيها تلزيم بواخر بقيمة مليار و886 مليون دولار؟ وكيف يمكن للحكومة ان تستأجر بواخر للكهرباء بثمن يساوي كلفة معملين جديدين؟ وكشف عن أن لبنان يدفع 800 مليون دولار إضافية مقارنة مع أسعار الشركة نفسها في غانا وباكستان.
صوّب الجميل بشكل مركز على الحكومة والموازنة التي اقترحتها ولاتزال تخفي أرقامها ولم تسلّمها إلى النواب. وقال: "بما أنّ الموازنة غير موجودة،سأتحدّث عن بعض بنود خطة الكهرباء، ولاسيّما في ما يتعلق بشق استئجار البواخر، معتبراً أن الشركة التي لزِّمت البواخر، كان اسمها معروفاً مسبقاً. ولفت إلى أن الشركة التي يرد اسمها هي شركة محكومة بالرشى بباكستان، وكان قنصل لبنان في تركيا قد نبّه من الأمر، فضلا عن تصريح مدير الشركة خلال زيارة الإعلاميين اللبنانيين تركيا يقول فيه إنه سيتم التمديد للباخرتين الموجودتين في لبنان كما أننا نحضّر لباخرة جديدة سنرسلها قريباً. وطبعاً، هذا من دون علم الحكومة". وسأل: "طالما أن الباخرة كانت جاهزة منذ 2016، فلماذا انتظرنا إلى آذار لطرح الخطة؟".
وأكد الجميّل أنه في مجلس الوزراء حصل لغط، وبناءً عليه قرّر وزير الطاقة والكهرباء من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وضع دفتر شروط صغير وطلب من الشركات المهتمّة تقديم عروضها خلال 15 يوماً. ولفت الجميل إلى أن المطلوب اليوم من الشركات تقديم عرض بقيمة مليوني دولار تقريباً". وسأل: "كيف تحضّر الشركات المحترمة ملفّها بمشروع يساوي ملياري دولار وتقدّم عرضها خلال ١٥ يوماً فقط؟".
وقال: "في غياب المناقصة فتشنا وقمنا بتقصي حقائق، فاكتشفنا أن هذه الشركة لها عقود أيضاً في غانا وباكستان، واليوم في لبنان. وعندما قارنّا الأسعار تبيّن لنا أن الشركة تتقاضى 266 ألف دولار على الميغاواط بالسنة في غانا، أي مليار و97 مليون دولار على خمس سنوات، وفي باكستان تتقاضى الشركة 340 ألف دولار كلفة الميغاواط في السنة، أي مليار و402 مليون دولار على مدى 5 سنوات. أما في لبنان فإن الشركة ستتقاضى 457 ألف دولار على الميغاواط الواحد في السنة، أي مليار و886 مليون دولار في 5 سنوات. ما يعني أن الفرق بيننا وبين غانا 800 مليون دولار". وأكد أن سعر الباخرتين الجديدتين: مليار و٨٨٦ مليون دولار على 5 سنوات. وسأل: "كيف يمكننا أن نستأجر بواخر بثمن يساوي كلفة معملين جديدين؟".
هذا الكلام، استدعى ردوداً من كثيرين، وخصوصاً من وزير الطاقة سيزار أبي خليل، الذي قال إن "هناك تشويهاً متعمداً للحقيقة. وهناك مَن لم يطلع على ملفي الكهرباء والنفط قبل التحدث عنهما". طريقة ردّ أبي خليل استفزّت الرئيس نبيه بري، فتوجه إليه بالقول: "بدي اتوجه بنصيحة لك يا معالي الوزير، يجب أن تكون ودوداً في ردّك، وكي تكون ودوداً عليك أن تتوجه إلى النائب بصفته، وتقول له سعادة النائب". موقف بري هذا، فسّره البعض على أن موافقة ضمنية على مواقف الجميل، خصوصاً أن بري يعارض خطة الكهرباء، ووزير المال علي حسن خليل هو من فضح التزوير الذي جرى إقراره في جلسة مجلس الوزراء. وقبيل ردّ أبي خليل، سارع النائب نديم الجميل إلى مساندة إبن عمّه، فطلب الكلام بالنظام، وطالب الحكومة بتقديم جواب رسمي وشفاف عن ما قاله رئيس الكتائب. فردّ بري على الجميل بالقول: "انت ارتاح".
نجم الجلسة الآخر، كان النائب علي عمّار، الذي أراد التوجه إلى اللبنانيين قائلاً: "بكل صراحة، إننا نغشكم ونكذب عليكم ولا نقدم لكم شيئاً. وهذا الوطن لا يمكن أن يستمر بالطائفية البغضاء، ولا تصدقونا فكل الحق معكم أن تشعروا بالملل والضجر والقرف واليأس". أضاف: "أننا حملنا اللبنانيين عناء التسمر أمام شاشات التلفاز، إن كان هناك تسمر على شاشات التلفاز، ليراقبونا. وأتحسس من هنا مستوى وحجم الملل والضجر والقرف". واعتبر أنهم "محقون في ذلك لأنهم يستحضرون في وجدانهم وضمائرهم القول المأثور من جرب المجرب كان عقله مخرب".
ومن مقعده، توجه النائب علي عمار، بالشكر إلى النائب خالد الضاهر، الذي سأل في كلمته "كيف سنبني اقتصاداً وتنمية وتطوراً ونحن لدينا فريق سياسي في لبنان يقوم بالاعتداء على دول عربية وينظم مجموعات إرهابية بعكس سياسة الدولة في النأي بالنفس"، مشدداً على أننا "أمام مشكلة سلاح يضرب صدقية الدولة، فكيف يريدون دعم لبنان إذا كان هناك من يعتدي على قرار الدولة؟". فقال عمار: "أشكرك على محبتك الفاقعة لحزب الله، وأتمنى مزيداً من المحبة، ولكنني أقول في كلمة موجزة إننا سنكون حيث يجب أن نكون".
وفي الختام، ردّ الحريري على مساءلة النواب، ملتزماً ببيان حكومته، فأكد أنها ستنكب على إنجاز قانون جديد للانتخاب، وتجنيب البلد مخاطر الفراغ. وأكد أن "الموازنة ستكون قريباً أمام مجلس النواب لمناقشتها، والحكومة ستكون على استعداد للإجابة عن أسئلة النواب. ورد الحريري على ما تناوله الجميل في الأوراق التي عرضها قائلاً: "لم تعرض علينا هذه الورقة في مجلس الوزراء"، مشيراً إلى أن "الحكومة عمرها 3 أشهر وحكومتي السابقة قدمت الخطة نفسها وعدلنا فيها ولن أقبل أن لا يكون في هذه الحكومة خطة طارئة للكهرباء. وسآتي بالكهرباء بسرعة للمواطن. وإذا كان الأمر سيكلفنا المال سندفع المال"، مشيراً إلى أن "هناك خطة وضعت قد ينتقدها الناس ونحن نريد انتقادها، وإذا كان هناك أي خطأ نصححه والفقير لن نلمسه ولن نقترب منه، لكن من يستطيع أن يدفع الكهرباء سيدفع الكهرباء.والحكومة ترغب باقرار سلسلة الرتب والرواتب بأسرع وقت، ولا يوجد في الموازنة أي ضريبة على ذوي الدخل المحدود".