عاد العمّال للعمل في الجامعة اللبنانية في الحدث بشكل طبيعي، بعدما وُعِدوا خيراً بأنّ شركة «دنش» التي فازت بالمناقصة العمومية والتزمت المجمع لن تستغني عن 50 في المئة منهم بعدما كانوا موظفين مع شركة «الخرافي» التي شَغّلت المجمع منذ العام 2003.
بعودة موظفي الصيانة عادت الكهرباء، المياه وغيرها من الخدمات إلى المجمع الجامعي، لكنّ «المياه لم تعُد إلى مجاريها» في حسابات الطلّاب. قصَدت «الجمهورية» المجمع لمعاينة مشكلات الطلّاب والتأكّد ممّا إذا قد يُعاود العمّال اعتصامَهم.
شكاوى بالجملة...
تخوُّف، نقمة، عتَب... كلمات تعجز عن وصف سخطِ الطلاب الناقمين من مرارة الواقع الذي بلغوه. جُلنا على عيّنةٍ من الكليات، تَعدَّدت الآراء والتداعيات، ولكنْ جَمعتهم عبارة واحدة، فكان كلٌّ يَحسب نفسَه المتضرّر الأكبر: «نحنا أكتر شي أكلناها»، لتتبعَها صرخة السائقين العموميين الذين اعتادوا نقلَ الطلّاب من ضيعِهم إلى المجمع، على اعتبار «بطّلت النقلة توفّي معنا، نقِص عدد التلاميذ».
«أكلنا الضرب وخسرنا الزبائن»، تقول الطالبة نرمين رعد في السنة الخامسة طب أسنان، موضحةً لـ«الجمهورية»: «مع انقطاع الكهرباء، ما عاد بوسعنا تشغيل الكرسي في المختبر، فالمرضى الذين كنّا نعالجهم ويأتون إلى الجامعة تخلّوا عنّا لأننا قطعنا معالجتَهم في منتصف الطريق».
وتضيف: «الأوضاع الطبّية للبعض لا تتحمّل الانتظار، كمَن وضعنا لأسنانه معجونة موَقّتة، أو مَن يحتاج إلى فكّ القطَب، فكانوا يتّصلون بنا منذ نحو أسبوعين لكننا أجبِرنا على تأجيل مواعيدهم فتخلّوا عنّا».
أكثر ما يَحزّ في نفس نرمين أنّها تتخرّج بعد شهرين، «تأخيرُنا اسبوعين يضرّ بنا كثيراً، خصوصاً أنّنا في صدد توسيع خبرتنا قدر الإمكان، وفي مرحلة التدرّب نحتاج إلى كلّ دقيقة». وتضيف: «على أساس ننهي المواد في أيار والامتحانات في حزيران، بعدها نتخرّج، ولكن بعد كلّ ما حصَل لا شكّ في أنّ المدة ستطول و«ضاعت» المواعيد».
من جهتها، اعتبرَت الطالبة لارا دياب في كلّية العلوم، أنّها وزملاءها أكثر المتضرّرين على مستوى الامتحانات: «وعِدنا خيراً أن تأتي فرصة عيد الفصح لنتنفّس الصعداء نظراً إلى أنّنا نكون قد أنهينا امتحاناتنا، ولكن نتيجة ما حصَل تمّ إرجاء الامتحانات إلى ما بعد عطلة العيد». وتتابع بنفحةٍ متشائمة: «ما عاد بوسعنا الاستراحة، وبِتنا مشوَّشين ما بين تحصيل الدروس التي تأخّرنا فيها، وبين إجراء الامتحانات، ممّا لا ينبئ خيراً بإنهاء العام الجامعي في موعده».
أمّا أحد الطلّاب في كلّية الهندسة الذي يَسكن في «الفواييه» الخاص بالمجمع، فقال: «تعطّلت حياتُنا لوجستياً، وأكاديمياً، ومهنياً.... عشنا نحو اسبوعين من دون إمكانية الاستحمام، فلا مياه ساخنة في «فواييه» الشباب، وفي «فواييه» الطالبات لا مياه من الأساس نتيجة تعطّل قسطلِ وتعذّرِ إصلاحه بسبب الإضراب، فِعلاً بَهدلة...».
ويضيف: «تعلّمنا على الشمعة. «كهربة الدولة» نادراً ما تتوافر، فيما المولّدات يشَغّلها عمّال الصيانة الذين كانوا معتصمين، لذا «النظر راح»، الأبحاث تأخّرت، طلّاب الهندسة في الظروف الطبيعية دائماً «مضغوطين» كيف بالأحرى الآن بعد تأخّر أسبوعين!».
سندافع عن حقوقِنا
من جهته، يوضح بشير زعيتر رئيس لجنة متابعة عمّال وموظفي الصيانة في المجمع: «كانت شركة الخرافي الأولى لتشغّلَ المجمع بعدما أنهت الشركة الالمانية بناءَه، وذلك في عهد الشهيد رفيق الحريري، وكنّا نحو 600 عامل من الذين انتقلوا للعمل مع «الخرافي» كونُنا عملنا في مرحلة البناء، نحو 22 مبنى في المجمع».
ويتابع: «عملنا مع «الخرافي» 15 سنة كونه يتقدّم من المناقصة كلّ 3 سنوات ويفوز، من دون أن يَهدر أيّ حقّ من حقوقنا، سواء لدفع المدارس، الضمان، الإجازات، وغيرها، لذا كان من البديهي أن نَضرب على الوتر الحسّاس في الجامعة منذ اللحظة الأولى التي سمعنا أنه سيتمّ الاستغناء عن 50 في المئة منّا بحسب بنود العقد الجديد، فمعظمُنا متقدّم في العمر وما عاد بوسعِه البحث عن وظيفة جديدة».
ويلفت زعيتر إلى تعذّرِ أيّ موظف جديد الانضمام إلى عمل الصيانة داخل المدينة الجامعية قائلاً: «ندرك الشاردةَ والواردة، أين قِفل المياه، أين الوَصلات والتمديدات المخفية، وغيرها من التفاصيل الدقيقة، كوننا عملنا في المرحلة التأسيسية، لذا من غير المنطق أن تأتي الشركة الجديدة المشغّلة للمشروع بموظفين جُدد، أضِف إلى ذلك أنّ قانون العمل يَحمينا، وتحديداً المادة 60 التي تقضي باستمرارية عقود العمل الجارية حتى لو استجدّ تغيير في جهة ربّ العمل قانونياً».
18 مليون دولار فقط!
جُلّ ما يَطمح له العمّال استمرارية عملِهم، بصرفِ النظر عن الجهة المشغلة للمجمع، لذا فكّوا إضرابَهم بعد الضغط الذي مارسوه والوعود التي تلقّوها، والعقود التي من المتوقع بدءُ توقيعِها الاثنين المقبل. في هذا السياق، لا يخفي العمّال تخوّفَهم من المرحلة الآتية، مؤكّدين إمكانية العودة إلى التصعيد في أيّ لحظة يُحرَمون فيها من حقوقهم، أو يتمّ التلاعب بمطالبهم.
ويسألون في كواليسهم: «كيف لشركة «دنش» أن تتمكّن من تشغيل المشروع بمبلغ 18 مليون دولار فقط، رغم إمكانية بدءِ ظهور أعطال كبيرة نتيجة الاستهلاك ومرور سنوات على تشغيل الجامعة، علماً أنّ الشركة المشغّلة السابقة احتاجت لمبلغ أكبر لتشغّل المجمع بأعلى المستويات وفي أول عمره».
لا لفاتورتين!
يحاول الطلّاب قدرَ المستطاع البحثَ عن مخارج بأقلّ ضرَر ممكن، إذ يَرفضون دفع الثمن مرّتين، «مرّةً في تأخّرِ امتحاناتهم، ومرّةً في المضيّ قدماً بطريقة «سلقِ» الأمور». فيوضح مسؤول الطلّاب في حركة أمل محمد عيسى قائلاً، «بالنسبة إلى بدائل التعويض، لا يَسعنا إلّا الاستفادة من ساعات إضافية يوم السبت، لأنّ برنامج التدريس في معظم الكلّيات مكتمل، ونادراً ما لا تنتهي حصصُ التدريس قبل السادسة مساء».
ويضيف: «تمّ تأجيل الامتحانات إلى ما بعد العيد، وعلى ما يبدو الوقت جدّاً مضغوط لنتمكّنَ من إنهاء المنهج التعليمي، خصوصاً أنّ شهر رمضان سيبدأ في آخر أيار، لذا المواعيد متزاحمة، هذا من دون أن ننسى موعد الدورة الثانية التي ستتزامن حكماً مع الصيام، كونها تتمّ بعد نحو 15 يوماً من الدورة الأولى».
في الختام، مهما تَعصف رياح المصائب في الجامعة اللبنانية تبقى إرادة النجاح هي الأقوى في «مؤسسة الجيش الثاني» للوطن.