هل هذا هو ترامب الآخر، ترامب الصارم والجاد والمخيف أيضا، الذي فاجأ الجميع بمن فيهم شخصيات بارزة من الحزب الجمهوري، عندما اختار بطريقة "أضرب حديدا حاميا"، أن يوجّه مجموعة واسعة من الرسائل والإشعارات النارية عبر قاعدة الشعيرات السورية التي دمرها ولم يُصب جنديا روسيا واحدا من الذين كانوا فيها؟
الحجم السياسي الذي أحدثه القصف الصاروخي المحكم، أكبر بكثير من الحجم العسكري، ولو صارت الشعيرات ثانية قواعد سوريا العسكرية، بما فيها من مقاتلات روسية حديثة، وأولى الرسائل جاءت من أمريكا المرتاحة لعودة هيبة واشنطن بعدما تراجعت كثيرا أمام موسكو. فقد أشاد جون ماكين وليندسي غراهام وماركو روبيو وبوب كروكر بترامب الذي دفن سياسة التخاذل الأوبامي، عندما قطف اللحظة المناسبة من بوابة الحس الإنساني بعد مجزرة خان شيخون الكيميائية، ليقول للأسد وحماته الإقليميين وحلفائه الروس: "كفى، الأمر لي، أمريكا تنتصر للعدالة"!
الأضرار السياسية للعملية ستكون عميقة وفادحة في روسيا، بعدما كان فلاديمير بوتين قد مضى بعيدا فوق رقعة تخاذل واشنطن، تغيرت قواعد اللعبة كلها ولا معنى لحديث موسكو عن تغيُّر في قواعد الاشتباك فوق سوريا. حاول الروس حفظ ماء الوجه بالإيحاء بأن واشنطن أعلمتهم سلفا بالعملية، فرد جيمس ماتيز فورا بالنفي، ولكن يكفي أن لافروف يأمل "ألا تتضرر العلاقات مع واشنطن"!
بعد مجزرة الغوطتين تمكن بوتين من تكبيل أوباما باتفاق نزع ترسانة الأسد الكيميائية، أمس تمكن ترامب من تكبيل تفرّد بوتين بسوريا وبغير سوريا، فلا يفلّ الحديد إلا الحديد، وكل الصراخ الروسي الذي سمعناه وسنسمعه لا معنى له، أكثر من يعرف ذلك هو بوتين الذي كان ارتعد لمجرد تهديد أوباما بالقصف عام 2013، ولكن ها هو القصف ينزل جراحيا، فقط ستة قتلى ودمار قاعدة كبيرة وليس من نقط دم روسية!
مضحك تهديد موسكو بجلسة طارئة لمجلس الأمن الذي عطّلته بالفيتو ثماني مرّات لمنع الحل وانحيازا إلى النظام، مضحك أكثر القول إن التحضير للقصف سبق مأساة خان شيخون، التي حاولت موسكو التعمية عليها بذرائع لا تليق بدولة مثل روسيا!
الإيرانيون الذين كانوا أكثر حذرا بعد خان شيخون، عندما نددوا بالعملية من أين أتت ولم يدافعوا عن حليفهم الأسد، تلقوا أمس رسالة قوية ليس لأنهم يتخذون الشعيرات قاعدة مهمة لإدارة عملياتهم في سوريا والعراق فحسب، بل لأن صواريخ ترامب الذي يهاجمهم ويعِد بردعهم، تستطيع أن تقصف تحدياتهم في مضيق هرمز وباب المندب.
كوريا الشمالية وصلت إليها رسالة حامية عبر الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي كان مجتمعا مع ترامب في فلوريدا عندما انطلقت الصواريخ؛ لأن ترامب يقول: "سنسوي ملف بيونغ يانغ إن لم تفعل الصين".