إنه لأمرٌ مُحيّر , ومؤسفٌ في آن معا , حيث ترى اللبنانيين في إنقسامهم الحاد ( مع ما يصاحبه من شتائم وإتهامات بالعمالة للخارج , طبعا الخارج هنا يعني حسب تصنيف كل فريق قد يكون عدوا وقد يكون صديقا بنفس الوقت ) عند أيّ حدثٍ يحدث خارج لبنان , فضلا عن الاحداث الداخلية الكثيرة .
المحيّر هو لماذا ينشغل اللبنانيون بقضايا العالم وعلى أساسها يقسمون البلد الى دوائر والناس إلى عملاء ومناضلين , مع أن أغلب الشعب اللبناني الذي ينقسم بهذه الطريقة لا يعرف شيئا عن حقيقة تلك القضايا وكيف تُدار وكيف تُصنع سوى أن الزعيم أيدها أو عارضها , ولبناننا يغلي على صفيح ساخن لكثرة الفساد المتشابك والذي وصل الى مرحلة إستحالة الحل , وهذا يعني بوضوح أن لبنان قد وصل الى نهاية سلسلة الدول المنهارة على كافة الصُعد .
لقد عشعش الفساد في كل زوايا الوطن , بحيث لا يمكن أن تجد أي مؤسسة صغيرة أو كبيرة , إلا وقد نخرها الفساد , بل أكثر من ذلك لا تجد أي موظف أو مسؤول إلا ويداه ملطخة بالرشاوى والفساد وكل أنواع التجاوزات , هذا يعني ما نقصده من إستحالة الاصلاح , لأن أساس البناء قد تصدّع ولا يصلح الترميم بل لا بد من الهدم وإعادة البناء , هذا الامر أو الوضع يضع كل اللبنانيين في دائرة الخطر ويهدد بشكل مباشر حياة اللبنانيين اليومية .
مع كل ذلك , ومع ما لم نذكره من ملفات الفساد وعناوين الخطر الداهمة يوميا بل في كل ساعة , تجد اللبناني الذي يعيش بهذه الاظروف التي تهدد حياته , ينصرف بكليّته إلى المناكفات حول قضايا لا علاقة له بها , وينسى قضاياه الملاصقة لمصلحته , ويمكن أن نقول أن هناك مَن يريد أن يُصرف اللبناني عن قضاياه , ولكن هذا لا يبرر للمواطن خطأه أبدا .
إقرا أيضا: السياسيون يسرقون والشعب يدفع الضرائب
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يُبنى العقل اللبناني , ومَن يبني هذا العقل الذي إستطاع أن يُجاوز ألمه وقضاياه ويجعلها صورية ؟
تبرز في الاجابة عن هذا السؤال إشكالية الادلجة للعقول التي تصنعها الاحزاب الحاكمة , وربط هذه العقول بخطاب ميتافيزيقا , مما يُسهّل إلقاء اللوم على أشياء لا تُرى , وبالتالي تبرز الحاجة إلى المنقذ الذي يعلم كل شيء وهو الزعيم الذي يُقدّس عند الجماهير لان طريق الغيب ليس مُيّسرا إلا له , والناس تعتمد عليه بذلك , هكذا يستطيع الزعيم أن يزرع في عقل الاتباع ما يريد من مفاهيم , وتتحوّل العقول إلى آلات تُدار عبر( ريموتكونترول ) .
إقرا أيضا: الأحزاب الدينية فرق شيطانية
هذا العقل اللبناني بهذه الحالة لا يمكن أن يفكر بسؤال ولا يمكن أن يطرح إشكالية , لذا فإن الانقسام اللبناني حول بعض القضايا المحلية والاقليمية , ليس عن وعي بل عن تقليد غير واعي , لأن الوعي يقتضي من العقل اللبناني أن يطرح السؤال الكبير إلى اين نحن ذاهبون ؟ وثانيا أين نحن الآن ؟