على مدى يومين متتاليين سمع خلالهما اللبنانيون سيلاً من العناوين والشعارات والمداخلات التي تحاكي الذود عن مصالحهم والدفاع عن الصالح العام، نجحت «ثلاثية المساءلة» النيابية في إعادة ضخّ الدم في عروق الحياة الديموقراطية مع ما جسدته من مضاد حيوي للفراغ المؤسساتي الذي تناسل فساداً وهدراً وتآكلاً في بنية الدولة ومقدراتها طيلة المرحلة السابقة على ولادة العهد الجديد. وإذا كان مجرد شكل انعقاد المجلس النيابي لمساءلة الحكومة الوليدة عن إنجازاتها وإخفاقاتها على مدى الشهور الثلاثة الأولى من عمرها نجح بحد ذاته في المساعدة على تكريس صورة «استعادة الثقة» بدولة القانون والمؤسسات، فإنّ أداء الحكومة والصلابة التي برزت في وحدة موقفها ومتانة منطقها مكّناها شكلاً ومضموناً من اجتياز الاختبار بنجاح بيّن أمام الرأي العام سيّما في ظل ما أظهرته من حُسن تدبير وتحضير للمساءلة النيابية، بشكل بدت معه حريصة على ثقة المجلس وجديرة بها، متمكنة من الردّ بجواب علمي وعملي على كل سؤال منطقي أو حتى افتراضي، إن من خلال ما برز في ردود وإيضاحات الوزراء كل ضمن اختصاصه على أسئلة النواب أو عبر الرد الشامل والمفنّد الذي قدمه رئيس الحكومة سعد الحريري باسمها مجتمعة في ختام جلسة المساءلة مساء أمس. 

ففي نهاية يوم المساءلة الثاني، وما تخلّله من كلمات تعاقب عدد من النواب على تلاوتها تباعاً لتتمحور في مجملها حول ملفات الفساد والنفط والكهرباء وقانون الانتخاب، وبينما لم تخلُ مساءلة بعض النواب من الانزلاق نحو الارتكاز في أساس مطالعاتهم واتهاماتهم للحكومة على جملة مغالطات في الوقائع والوثائق، ردّ الحريري على المداخلات النيابية مساءً مؤكداً في المقابل جملة مسلّمات مبدئية لحكومته لا رجعة عنها ولا تلكؤ في تحقيقها:

] التأكيد على مسؤولية الحكومة في التوصل إلى قانون انتخاب جديد يجنّب البلد التمديد ومخاطر الفراغ، مع التشديد على أهمية تحقيق التوافق الوطني في إقرار هذا القانون بشكل يراعي الهواجس ويحصّن الوحدة الوطنية.

] تجديد العزم على إقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب، وعدم فرض أي ضريبة على ذوي الدخل المحدود.

] رفض المزايدات الشعبوية على خطط الحكومة النهضوية من دون طرح حلول بديلة، ورفض ضرب صورة البلد وسمعته والجهد المبذول لإعادة الثقة به سواءً عبر محاولات البعض «شيطنة» القطاع المصرفي أو «التعميم من دون دليل أو تسمية» في توجيه الاتهامات بالفساد للجسمين القضائي والحكومي.

] التصميم على منح المواطن حقه في توفير الكهرباء بمعزل عن الانتقادات الجوفاء غير البنّاءة التي تمتهن وضع العصي في دواليب الخطة الإنقاذية وتعمل على تشويهها عبر إبراز وثائق ومعلومات مختلقة، من دون تحمّل أي مسؤولية في تقديم بدائل علمية وعملية لإنقاذ هذا القطاع الذي لا يزال يراوح في دائرة العتمة ويتكبد خسائر بمئات ملايين الدولارات سنوياً منذ العام 2005. علماً أن رئيس الحكومة جزم أمس أنّ الزيادة في التعرفة بموجب خطة الكهرباء لن تمسّ الشطور الأولى ولن يتأثر بها الفقراء إنما ستوفّر على كل مواطن عناء دفع فاتورتين واحدة للدولة وأخرى بثلاثة أضعاف للمولّدات.

] إعادة تأكيد التمسك بالشفافية في ملف النفط، مع التصويب بأنّ الحكومة باقية على اعتمادها مبدأ «المشاركة في الإنتاج» وليس في الأرباح في إدارة القطاع، كما جاء في بعض المغالطات التي وردت في سياق المساءلة النيابية.

] إبراز الإنجازات والاستعدادات «عملياً وليس نظرياً» لتطوير قطاع الاتصالات وخدمات الأنترنت، مع تحضير مشروع مرسوم تخفيض الرسوم بين 20% و50% بشكل سيتيح إدخال أموال إضافية إلى خزينة الدولة.

] أما في موضوع الموقوفين الإٍسلاميين المزمن، فكشف رئيس الحكومة أنّ «هناك قانون عفو يتم العمل عليه» سيتم التشاور بشأنه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تمهيداً لإرساله إلى مجلس النواب لإقراره.

«الدمار الشامل»

بعيداً عن الأجواء الداخلية وفي سياق متصل بالمستجدات الإقليمية، برز أمس موقف واضح وحازم عبّر فيه رئيس الجمهورية عن إدانه لبنان الرسمي لاستخدام أي نوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، بحيث أكد عون لمدير إقليم الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية محمود فكري خلال استقباله في قصر بعبدا بحضور نائب رئيس الوزراء وزير الصحة غسان حاصباني، أنه «كلما حصلت تطورات عسكرية في سوريا، يشهد لبنان تدفق المزيد من النازحين السوريين إلى أراضيه، ما يزيد حجم الأعباء التي تقع على عاتق الدولة اللبنانية للاهتمام بهم وتأمين رعايتهم»، مشدداً في ضوء التطورات الأخيرة على أنّ «لبنان الذي وقّع على كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحرّم استعمال أسلحة الدمار الشامل، يدين ويستنكر استعمال هذه الأسلحة من أي جهة أتى»، داعياً في المقابل «المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل والدول التي لم توقع هذه المعاهدات، ضرورة التقيّد بمضمونها ومفاعيلها وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وكان الحريري قد شدد كذلك قبيل مشاركته في جلسة المساءلة النيابية على أنّ «استعمال السلاح الكيميائي ضد المدنيين أمر غير مقبول، والقرار الحازم بالضربة الأميركية في سوريا له علاقة بالأسلحة الكيميائية التي استعملها النظام السوري ضد شعب أعزل، فيما الشعب من أطفال وشيوخ ونساء لم يقوموا بشيء».