في تصعيد حاد للدور العسكري الأميركي في سوريا، أطلقت سفينتان حربيتان أميركيتان 59 صاروخ "توماهوك" من شرق البحر المتوسط على قاعدة الشعيرات في محافظة حمص، التي انطلقت منها الطائرة التي شنّت الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب الثلثاء. ويشكل هذا التطور تخلياً عن السياسة التي كانت تتبعها واشنطن طوال ست سنوات من الأزمة السورية، ذلك انها المرة التي الأولى توجه ضربة عسكرية اميركية مباشرة الى القوات النظامية السورية التي تتلقى دعماً روسيا وايرانياً.

 

ووجّه الرئيس الاميركي دونالد ترامب خطاباً الى الأمة من منزله في فلوريدا بعد بدء الضربة، وصف فيه الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "الديكتاتور". وقال "باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة". وأكد أن "من مصلحة الأمن القومي الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الاسلحة الكيميائية القاتلة".
وتردّد صدى الضربة الأميركية في موسكو التي سارعت الى اعلان عن عزمها على تعزيز الدفاعات الجوية السورية، وقطعت الخط الساخن الذي كانت أقامته مع القوات الاميركية لتفادي الحوادث العرضية فوق الأراضي السورية، وقال رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف ان الهجوم الاميركي كاد يؤدي الى اشتباك مع القوات الروسية. وشهدت أجواء جلسة مجلس الامن التي انعقدت بطلب من موسكو، تشنجاً واضحاً بين مندوب روسيا ومندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا.
وعبّر حلفاء الولايات المتحدة حول العالم عن دعمهم للضربات الصاروخية الأميركية ووصفوها بأنها رد فعل يتناسب مع استخدام سوريا المشتبه فيه لأسلحة كيميائية. ورحّبت السعودية وقطر والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة بالضربات، فيما حضّت مصر الولايات المتحدة وروسيا على احتواء التوتر الناجم عن الأزمة السورية.
وأكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو دعم اسرائيل "الكامل" للضربات الاميركية، معتبراً أنها "رسالة قوية" يجب أن تسمعها ايران وكوريا الشمالية أيضاً. ووصفت تركيا الضربات بأنها "إيجابية لكنها غير كافية". أما طهران فنددت بالهجوم "المدمر والخطير".
وقال مسؤولون اميركيون إن القصف ألحق "أضراراً كبيرة" بالمطار و"دمّر طائرات" وبنية تحتية، ما من شأنه أن "يقلل قدرة الحكومة السورية على شن ضربات".
لكن "المرصد السوري لحقوق الانسان" الذي يتخذ لندن مقراً له أفاد أن حجم الأضرار التي لحقت بقاعدة الشعيرات غير واضح تماماً، إلا أن الطائرات الحربية السورية "فعلت المستحيل" من أجل مواصلة استخدامه في طلعات جوية. وأوضح أن "طائرتين عسكريتين اقلعتا من داخل مطار الشعيرات الذي عاد الى الخدمة جزئياً وشنتا غارات على ريف تدمر". وقال إن ثمانية أشخاص قتلوا في الهجوم الأميركي.
وأصدرت الرئاسة السورية بياناً الضربات الاميركية تصرف "أرعن غير مسؤول"، فيما رحب بها "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وفصائل مقاتلة، ودعا المعارضون الى استمرارها ضد نظام الأسد.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها استدعت الملحق العسكري الاميركي في موسكو وسلّمته رسمياً مذكرة تنص على تعليق الاتفاق بعدما أبلغت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وقف قنوات التواصل في الحالات الطارئة حول سوريا.

 

من "ساعد" دمشق؟
وصرح مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى بأن الجيش الاميركي يشتبه في أن النظام السوري تلقى "مساعدة" في الهجوم الكيميائي من دون الذهاب الى اتهام روسيا.
وقال إن "الروس فشلوا على الأقل في السيطرة على نشاط" شريكهم السوري، مشيراً إلى وجود الروس في القاعدة الجوية التي انطلقت منها الطائرات السورية التي شنت الهجوم.
وأضاف: "لا نستطيع معرفة الدور الذي قام به الروس. ولكن إذا كانت هناك أدلة أو اتهام تحظى بصدقية، فإننا سنستخلص النتائج قدر امكاناتنا".
وتقدر وزارة الدفاع الاميركية أن لدى الروس ما بين 12 و100 عسكري في قاعدة الشعيرات الجوية.
وقال مصدر عسكري سوري إن الجيش تبلّغ الضربات الأميركية قبل وقوعها واتخذ تدابير وقائية بنقل طائرات من المطار المستهدف.

مجلس الامن
وحاول المجتمع الديبلوماسي الدولي التقاط أنفاسه غداة الضربات الصاروخية الاميركية، مع تحذير المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي مجدداً من أن بلادها مستعدة لتنفيذ مزيد من الضربات كلما استخدمت القوات النظامية الأسلحة الكيميائية.
وورد التحذير الجديد لهايلي في سياق جلسة علنية لمجلس الأمن انعقدت بطلب من بوليفيا، حليفة روسيا، لمناقشة الأوضاع في سوريا بعد الضربة العسكرية الأميركية. وعرض المندوبون الدائمون وممثلو الدول الـ15 الأعضاء في المجلس مواقف بلادهم خلال الجلسة. واعتبر أكثرهم أن أبواب التصعيد العسكري الكبير ما كانت لتنفتح لو تمكن المجتمع الدولي من اتخاذ مواقف جماعية موحدة للجم الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من ست سنوات. وعلى رغم الإنقسامات العميقة، أظهرت الجلسة أن أخطار الأزمة في سوريا على الأمن والسلم الدوليين ارتقت الى مستويات قياسية.
واستهلت الجلسة بإحاطة من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للشؤون السياسية جيفري فيلتمان الذي حضّ مجلس الأمن على الوحدة لتوجيه "رسالة جماعية قوية مفادها عدم التسامح مع أي استخدام للأسلحة الكيميائية وأن ذلك ستكون له عواقب"، مطالباً بأن "تكون حماية المدنيين والمساءلة على رأس أجندة السلم والأمن".
وأعلن المندوبان الفرنسي والبريطاني تأييدهما للضربات.
بيد أن المندوب الصيني ليو جيي الذي تجنب التنديد أو التأييد للضربات الأميركية، دعا الى "مواصلة الجهود والتمسّك بالحل السياسي للأزمة".
وحمّل نائب المندوب الروسي فلاديمير سافرونكوف واشنطن تبعات "عدوانها المخالف للقانون الدولي"، واصفاً إياه بأنه "عمل غير قانوني وانتهاك صارخ للقانون الدولي واعتداء على دولة ذات سيادة". وقال إن "عواقب ذلك الأمر على السلم والاستقرار الإقليميين قد تكون خطيرة للغاية".