تمهيد: وصلنا مؤخرا فيديو للشيخ باقر الإيراواني، وهو مجتهد وأستاذ بحث خارج في النجف الأشرف، ويتطلّع لمرتبة المرجعية، ويظهر بوقاره وهو يفتي في مسائل فقهية وشرعية، ليقرأ بصوت جهوري: سؤال..ما رأيكم في الشيعي الفاسق الظالم ،وهل هو أفضل من السني المؤمن، وأيّهما يدخل الجنة؟
ويجيب العالم المجتهد بأنّ الشيعي الفاسق أفضل من السّني المؤمن، والجنة مصير الأول والنار مصير الثاني، لماذا؟ لأنّ الشيعي عنده ولاية آل البيت، الأئمة المعصومين، أمّا السني ماذا عنده يوم القيامة! لو قام ليله
وصام دهره، لا تُقبل صلاته ولا صيامه ولا حجّه ولا زكاته، ومصيره جهنم وبئس المصير، أمّا الشيعي الفاسق فحُكمه (دائما عند الشيخ الإيراواني) نكتة بسيطة، (كم عصا على جنبه) وبعد ذلك إلى الجنة محفوفاً ببركات الولاية "والمراجع العظام".
إقرأ أيضًا: يُعاقب النظام السوري على جرائمه، والروسي على اختلاق الأعذار
أولاً: الشيخ على سُنن الشيخ المفيد والقُمّي وغيرهم...
والشيخ الإيراواني لا يخبط خبط عشواء كما يتبادر للذهن، فهو على منهاج الأئمة كما رواهُ مُجتهدوا القرن الرابع الهجري وتخيّلوه وابتدعوا فيه، كالكلّيني والشيخ المفيد وابن بابويه القمي وغيرهم، ولا يذهبنّ بك الظّن للقول بأنّ اجتهاد الشيخ وأسلافه مناقض للعقل أو المنطق أو العدل الإلهي (حسب مذهب المعتزلة) أو منهاج السّنة النبوية، أو حتى ما ذُكر على ألسنة الأئمة المعصومين بما يُخالف ما ورد على لسان الشيخ، فهذا القول والاجتهاد يتّسق مع النسق الإيماني للإمامية الذي يعتمد على عناصر أسطورية بالدرجة الأولى، ولا تلتفت إلى ما قد يؤول إليه هذا الاعتماد من مغبّات على الشأن المجتمعي العام. هكذا ينقل الشيخ المفيد عن علي بن الحسين عليهما السلام أنّ"ليس على فطرة الإسلام غيرنا وغير شيعتنا، وسائر الناس من ذلك براء، (الاختصاص ١٠٧) ،وهو يدعم ذلك بالآية الكريمة (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، أنّ الله يغفر الذنوب جميعاً) الزّمر ٥٣، فيجعل العباد المذكورين مقتصرين على الشيعة فقط ،ومغفرة الذنوب مختصّة بهم وحسب، وإلاّ لو "غفر الذنوب جميعاً،فمن يُعذّب؟ فوالله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا"(الاختصاص ١٠٧)، والناس، على ما يروي الكليني عن أبي الحسن عليه السلام: " ثلاثة: عربي ومولى وعلج. فنحن العرب ، وشيعتنا الموالي، ومن لم يكن على ما نحن عليه فهو علج". ولمّا قال له مُحدّثه القرشي: تقول هذا يا أبا الحسن، فأين أفخاذ قريش والعرب؟ قال أبو الحسن: هو ما قلت لك (الكليني، الكافي ٢٢٦/٨) ، ومغفرة الذنوب ليست هي التي تقتصر ، في حديث الكليني، على الشيعة وحدهم، بل الحجّ لا يُستجاب إلاّ لهم، والتوبة لا تُقبل إلاّ منهم:
"أمّا والله يا فضيل، ما لله عزّ ذكره حاجٌّ غيركم،ولا يغفر الذنوب إلاّ لكم، ولا يتقبل التوبة إلاّ منكم، وإنّكم لأهل هذه الآية: "إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفّر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً" (٢٢٨/٨) .
إقرأ أيضًا: أطفال شيخون يصرخون: يا لعار الفيتو الروسي-الصيني، والخذلان الأميركي.
ثانياً: ابن بابويه القمي والغيب ...
الشيخ الإيراواني يعتمد على الإمام الباقر بالقول بنجاة الشيعة وهلاك غيرهم، إلاّ أنّ القمي هو الذي يتكلم حين يسكت الآخرون، فينقل نصّاً فريداً، يُبرّر هذا الامتياز الخارق لجماعة الشيعة جميعاً، ويستند النص على واقعة غيبية يأتي على ذكرها الفقهاء بأشكال متباينة لكنها ذات جوهر واحد، يقول القمي أنّ شخصاً يدعى اسحق كان قد دخل على أبي جعفر الباقر عليه السلام، فسأله : جُعلت فداك، أخبرني عن الناصب لكم، هل يطهر بشيء أبداً؟ قال: لا. قلت: جُعلت فداك، قد أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي، ويدين بولايتكم ،وليس بيني وبينه خلاف، فأجده يشرب المسكر، ويزني ويلوط، وآتيه في حاجة واحدة فأُصيبهُ مُعبّس الوجه، كالح اللون، ثقيلاً في حاجتي بطيئاً فيها، وقد أرى المُناصب المخالف لما أنتم عليه ويعرفني بذلك، فآتيه بحاجة، فأُصيبه طلق الوجه، حسن البشر، مُتسرّعاً في حاجتي، فرحاً بها يحبّ قضاءها، كثير الصلاة، كثير الصيام، كثير الصدقة، يُؤدّي الزكاة، ويُستودع فيؤدي الأمانة. قال: يا إسحاق. ليس تدرون من أين أوتيتم؟ قلت: لا والله،جعلت فداك إلاّ أن تُخبرني. فقال: يا إسحاق. إنّ الله لمّا كان متفرّدا بالوحدانية، ابتدأ الأشياء لا من شيء، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام بلياليها، ثم نضب الماء عنها، فقبض قبضةً من صفوة ذلك الطين، وهي طينة شيعتنا، ثم اصطفانا لنفسه، فلو أنّ طينة شيعتنا تُركت كما تُركت طينتُنا لما زنى أحدٌ منهم، ولا سرق، ولا لاط، ولا شرب المسكر، ولا اكتسب شيئاً ممّا ذكرت، ولكن الله تعالى أجرى الماء المالح على أرضٍ ملعونة ٍسبعة أيام بلياليها، ثم نضب الماء عنها، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون، وهي طينة خبال، وهي طينة أعدائنا ، فلو أنّ الله تعالى ترك طينتهم كما أخذها، لم تروهم في خلق الآدميين، ولم يُقرّوا بالشهادتين، ولم يصوموا، ولم يُصلّوا، ولم يُزكّوا،، ولم يحجّوا البيت، ولكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين، طينتكم وطينتهم، فخلطها وعركها عرك الأديم ومزجها بالمائين (العذب والمالح)، فما رأيت من أخيك المؤمن من شرّ لفظٍ أو زنا، أو شيء مما ذكرت، من شُرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريّته ، ولا من إيمانه، وإنّما هو بمسحة الناصب (أي الذي ينتمي للجماعة التي اغتصبت الخلافة والحكم ) اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حُسن وجه، وحُسن خُلق، أو صوم وصلاة، أو حجّ بيت،أو صدقة، أو معروف، فليس من جوهريّته، وإنّما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان التي اكتسبها.
قلتُ: جعلتُ فداك،فإذا كان يوم القيامة، فمه؟ قال لي : يا إسحاق،أيجمع الله الخير والشر في موضع واحد؟ إذا كان يوم القيامة نزع الله سبحانه مسحة الإيمان منهم فردّها إلى شيعتنا، ونزع مسحة الناصب عن شيعتنا بجميع ما اكتسبوا من السيئات، فردّها إلى أعدائنا ، وعاد كل شيء إلى عنصره الأول الذي ابتدأ منه، أما رأيت الشمس إذا هي بدت، ألا ترى لها شعاعاً زاجراً متّصلاً بها أو مبايناً منها؟ قلت: جُعلت فداك، الشمس إذا هي غربت بدأ إليها الشعاع كما بدأ منها.
ولو كان بايناً منها لما بدأ إليها، قال: نعم يا إسحاق،كل شيء يعود إلى جوهره الذي بدأ منه،قلتُ: جعلت فداك، تُؤخذ حسناتهم فتُردّ إلينا، وتؤخذ سيئاتنا فتُردّ إليهم؟ قال: أي والله الذي لا إله هو،قلت: جُعلت فداك، أجدها في كتاب الله تعالى؟ قال، نعم يا إسحاق، أما تتلو هذه الآية :" أولئك يُبدّل الله سيّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما". فلم يُبدّل الله سيئاتهم حسنات إلاّ لكم. والله يُبدّل لكم.(الشرائع ٢٠٢/٢) .
ثالثاً: رواياتُ الصراع الحامي في القرن الرابع الهجري...
لا شك أنّ هذه الروايات التي كانت تخدم الصراعات المذهبية الشيعية-السنية في القرن الرابع الهجري كان لها ما يُبررها لتغذية وعيين دينيّين متضادين لنفس التاريخ، فالاحداث الدموية المتعاقبة على مدار ثلاثة قرون ،والتبشير الديني اليومي في مساجد كلا الطرفين، كل ذلك أدّى رؤيا سُنيّة واخرى شيعية متنافرتين، تُفصح عنها هذه الروايات، وترفعها إلى مصاف المقدّسات راسخة الإيمان، إذا كانت ضخامة الصراعات أنتجت هذه الروايات ،فما هي الحاجة الملحة اليوم لسماع "ترهات" شيخ يطمح لمرجعية الشيعة، أو يتنطّح أحدهم، من نصف الدنيا، ومشارف القرن الواحد والعشرين للمسّ بأجداث الصحابة الذين ارتاحوا من هذه الأمة منذ أربعة عشر قرنا.