لا تعكس التصريحات القوية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الرئيس السوري بشار الأسد، بعد الهجوم الكيماوي الثلاثاء على منطقة شمال غرب سوريا، حقيقة استراتيجية الإدارة الجديدة في البيت الأبيض التي تصنف الحرب على الإرهاب أولوية قصوى، وضرورة التنسيق مع روسيا للقضاء على داعش.
وقللت مراجع دبلوماسية عربية من سقف التوقعات التي تراهن على تدخل عسكري أميركي ضد القوات السورية، معتبرة أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى سجال سياسي في حرب تثبيت المواقع بين موسكو وواشنطن في الملف السوري.
وأشارت المراجع إلى أن إدارة ترامب تريد اعترافا روسيا كاملا بدورها في الملف السوري، وخاصة ما تعلق بحقها في إقامة مناطق آمنة لإدارة المعركة ضد تنظيم داعش، معتبرة أن التصعيد الكلامي الحاد ضد الأسد هدفه بالدرجة الأولى تثبيت الوجود الأميركي في سوريا، وإقامة شراكة أميركية روسية متكافئة في أي حل مستقبلي للملف السوري.
ويشعر الأميركيون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صار يمتلك لوحده مفاتيح الحل في سوريا، ويكيّفه حسب مصالح موسكو والأطراف الإقليمية المتحالفة معها.
وتريد إدارة ترامب أن تلعب دور الشريك الحقيقي في الحل السوري حتى يمكنها تكييفه بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها الإقليميين خاصة ما تعلق بتحجيم دور إيران ودفع الميليشيات الموالية لها إلى مغادرة سوريا، لتحقق بذلك أهدافا من بينها طمأنة إسرائيل المطالبة بانكفاء دور حزب الله وإثبات جديتها، ومن ناحية ثانية، في بناء تحالف مع السعودية يراعي أمنها الإقليمي.
وتتوقع مصادر دبلوماسية عربية في الولايات المتحدة أن يبادر ترامب إلى إعلان إجراءات توحي بالجدية في استثمار الهجوم الكيماوي لخلق واقع عسكري جديد في سوريا، مثل إرسال أعداد جديدة من عناصر القوات الخاصة إلى شمال سوريا، أو إلى الحدود السورية مع الأردن، أو الإعلان عن توجه حاملة الطائرات إلى المتوسط.
وعزز الجيش الأميركي وجوده الفعلي في سوريا، وارتفع عديد عناصره من 500 إلى 1200، فيما جرى إدخال نحو 100 قطعة عسكرية أميركية جديدة خلال الأيام القليلة الماضية إلى الأراضي السورية، تنوعت بين مروحيات قتالية ودبابات وعربات مدرعة.
وتوزع الجنود الأميركان والآليات العسكرية الجديدة على معسكري الحسكة والشدادي وقاعدة القامشلي، وهي مواقع ارتكاز العمل العسكري المتوقع في سوريا.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ”العرب” عن قيام فريق استشاري خاص من وزارة الدفاع الأميركية ومكتب مستشار الأمن القومي، على إعداد خطة عمل عاجلة للتدخل في الملف السوري، ستقدم إلى ترامب الأسبوع القادم.
وعقب اجتماعه بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني امتنع ترامب عن الإفصاح عن خطواته المقبلة بعد وصفه للهجوم بالأسلحة الكيماوية في سوريا بأنه إهانة للإنسانية، مضيفا أنه تجاوز عدة خطوط.
وأعلن ترامب أنه لن يكشف عما ينوي عمله، لكنه أقر بأنه غيّر نظرته إلى الأسد بعد الهجوم، موجها انتقادات لاذعة إلى سلفه باراك أوباما الذي هدد الأسد مرارا لكنه لم يفعل شيئا.
وقالت المصادر إن الخطة الأميركية ستتضمن إقامة مناطق آمنة تحتضن المواطنين السوريين من العرب والأكراد والتركمان، وتوفر لهم الحماية مدة 5 أعوام.
وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لـ”العرب” أن بلاده ترغب في أن يقوم مجلس الأمن بالتحرك الجماعي ردا على هذا العمل الشنيع في إدلب.
وقال المسؤول “نعلم أنّ الهجوم يحمل كل السمات المميزة التي تشير إلى استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية. ونعلم أنّ الأسد قد استخدم هذه الأسلحة من قبل، وهذا ما أكده فريق المحققين المستقل التابع لهذا المجلس”.
وبالنسبة إلى روسيا ودورها في سوريا اعتبر المسؤول الأميركي “أن الأسد وروسيا وإيران ليس لهم مصلحة في السلام”. وقال “إذا كانت روسيا تتمتع فعلا بالنفوذ الذي تدعيه في سوريا، فنحن في حاجة إلى أن نراها تستخدم نفوذها. يجب أن نراها تضع حدا لهذه الأعمال المروعة”.
وأكد المسؤول على ما قالته السفيرة الأميركية نيكي هايلي في مجلس الأمن “إنه في حياة الأمم المتحدة، ثمة أوقات نضطر فيها إلى اتخاذ إجراءات جماعية… وعندما تفشل الأمم المتحدة بالاستمرار في أداء واجبها بالعمل جماعيا، هناك أوقات تضطر فيها الدول إلى القيام بالأمور بنفسها”.
وقد يجد الرئيس الأميركي نفسه مجبرا على مجاراة خطاب التصعيد ضد الأسد وروسيا الذي دأب عليه النواب الجمهوريون في فترة أوباما، لكنه في الأخير سيحتكم إلى المقاربة التي أعلن عنها منذ حملته الانتخابية، وهي الشراكة مع روسيا لمواجهة الإرهاب قبل الخلاف على المصالح. وأثنى السيناتور جون ماكين المعروف بمواقفه المتشددة حيال النظام السوري، على مواقف إدارة ترامب الأخيرة ودعوتها لمجلس الأمن من أجل التحرك حيال سوريا.
ودافع ماكين عن تحميل ترامب لسلفه أوباما مسؤولية ما يجري في سوريا. وقال “لقد سبق لهم (النظام السوري) أن شنوا هجوما كيماويا، والرئيس أوباما فعل ما هو أسوأ من مجرد الوقوف مكتوف الأيدي، إذ أنه كان قد وجه تهديدا ومن ثم لم يفعل شيئا”.