كذِب الروس، وتواطوأ الاميركيون، وصدق العالم. سوريا ليست دولة خالية من السلاح الكيميائي، وقرار مجلس الامن الدولي الرقم 2118 الصادر في ايلول سبتمبر العام 2013 في أعقاب مجزرة الغوطة الشهيرة، لم ينفذ ، او بتعبير أدق نُفِذ بشكل مواربٍ او متساهلٍ يسمح للجيش السوري بأن يحتفظ بجزء من مخزون غاز السارين لكي يستخدمه عند الحاجة.
لم تعلن أي دولة حتى ا لان أن مجزرة خان شيحون المروعة، تعني ان القرار 2118 قد إنتهك، وان ثمة ما يفرض البحث في معاقبة او محاسبة النظام السوري، او في مراجعة الاجهزة الدولية التي تولت الاشراف طوال أكثر من عامين على سحب مستوعبات غاز السارين من سوريا ورميها في البحر على ما قيل يومها. لم يعترف أحد بأي خطأ او خللٍ في ذلك الاتفاق الروسي الاميركي الشهير الذي جرى الاحتفال به في حينه بوصفه إنجازاً عالمياً يخدم البشرية جمعاء.
وهو ما يعني ضمناً ، ان موسكو وواشنطن ومعها عواصم العالم كافة تسلّم بوجود سلاح كيميائي لدى النظام السوري، يمكن ان يستخدم بين الحين والاخر ، فتحال كل مجزرة ناجمة عنه، للتحقيق ثم الادانة، قبل الانتقال الى عنوان آخر من عناوين الحرب السورية. ولعل الاشتباه، بل الجزم من قبل مصادر المعارضة نفسها، بان تنظيم "داعش" هو الاخر يمتلك ويستخدم أسلحة كيميائية يساهم في ترسيخ هذه المعادلة المخيفة.
تلك هي الخلاصة الأهم والأخطر لمجزرة خان شيحون. وكل ما عداها تفاصيل، يمكن ان يشتغل عليها مجلس الامن الدولي ويفتح مرة أخرى الجدل حول آليات التحقق والرقابة والعقاب، ليواجه في نهاية المطاف الفيتو الروسي والصيني وبعض الاعتراض العربي(المصري خاصة) على أي لوم يمكن ان يوجه الى النظام السوري الذي لم يتورع يوماً عن إستخدام مختلف أسلحة الابادة والدمار الشامل. ثمة تفصيل بسيط لن يتوقف عنده أحد، لكنه قد يكون حاسماً في توضيح وجهة الحرب المقبلة في سوريا: يجزم الخبراء العسكريون أن الاجواء السورية تخضع للاشراف الكامل من جانب الروس، ولا يمكن لأي طائرة عسكرية سورية، نفاثة او مروحية، ان تقلع من أي قاعدة وأن تحلق في أي منطقة وأن تنفذ غارة ضد أي هدف، من دون إذن أو بلاغ من قيادة قاعدة حميميم الروسية التي تدير العمليات الجوية في السماء السورية.
الطائرة التي ألقت الصاروخ المحمل بغاز السارين، على خان شيحون لم تكن تتمرد على ذلك الأمر العسكري الصارم، الذي يلتزم به الاميركيون وحلفاؤهم بين الحين والاخر عندما يبلغون مسبقاً قاعدة حميميم بأن لديهم مهمة جوية في إحدى المناطق السورية، لكي لا يحصل إحتكاك بين الطائرات الروسية وتلك الاميركية او الفرنسية او البريطانية او الاسترالية.. التي تغير على مواقع "داعش" وتلاحق قادة ذلك التنظيم في كل مكان وتصيب منهم مقتلاً. والادلة موجودة بالاسماء والصور والبيانات الرسمية العلنية.
أيضا، الطيار الذي ألقى الصاروخ لا يمكن ان يحسب من "العناصر غير المنضبطة". الارجح أنه شديد الانضباط والالتزام بالأوامر : ثمة من سمع عن الهجوم الانتحاري في مترو سان بطرسبورغ، في اليوم السابق، وشاهد الفيديوهات والصور، ودقق في نتائج وآثار تلك العملية المرعبة على الروس، فقرر الانتقام في خان شيحون بالذات.. لكنه مجرد زعمٍ حتى الان، وقد لا يتحول الى حقيقة مثبتة، على الرغم من أن معظم وقائع الحرب السورية تدعم فرضية الثأر المتبادل الذي صار من قواعد الاشتباك في مختلف ميادين القتل في سوريا.
المعطى الجديد، الان ، هو ان غاز السارين ما زال موجوداً ومستخدماً من قبل النظام السوري. والاسوأ أنه أمر معروف ومستور، من قبل المجتمع الدولي، الذي يدفع المحرقة السورية الى مستويات لا يمكن لأي عقل ان يتخيلها.. ولا يمكن لإي إنسانٍ سويٍ أن يتقبلها.