تسبب قصف جوي بغازات سامة على شمال غرب سوريا في مقتل 58 مدنياَ حسب إحصائية أولية صدرت صباح الثلاثاء اختناقاً بينهم 11 طفلاً، في هجوم أثار تنديدا دوليا واسعاً واعتبرت المعارضة السورية انه يضع مفاوضات السلام في “مهب الريح”.
ويستعد مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طارئ بطلب من فرنسا وبريطانيا اثر “الهجوم الكيميائي الجديد الخطير”، بعد ساعات من توجيه الائتلاف السوري المعارض طلباً مماثلاً. كما حمّلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي قوات النظام “المسؤولية الرئيسية” عن هذه الهجمات.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان نقلا عن مصادر طبية مقتل “58 مدنياً على الأقل بينهم 11 طفلا صباح الثلاثاء جراء إصابتهم بحالات اختناق، إثر تنفيذ طائرات حربية قصفاً بغازات سامة على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب”.
وتسبب القصف في العشرات من حالات الاختناق الأخرى، ترافقت وفق المرصد مع “أعراض إغماء وتقيؤ”.ولم يتمكّن المرصد من تحديد نوع الغاز المستخدم في القصف وإذا كانت الطائرات التي نفذته سورية أم روسية.
لكن وزارة الدفاع الروسية أكدت أن طائراتها “لم تشن أيّ غارة في منطقة بلدة خان شيخون”.
ويسيطر ائتلاف فصائل إسلامية أبرزها جبهة فتح الشام على كامل محافظة إدلب التي غالبا ما تتعرض لغارات وقصف جوي تنفذه طائرات سورية وأخرى روسية. كما يستهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن دورياً قياديين جهاديين في المحافظة.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، اتهمت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية قوات النظام باستخدام أسلحة سامة لمرات عدة، لكن لطالما نفت دمشق صحة هذه الاتهامات.
واعتبر مصدر أمني سوري أن اتهام دمشق بقصف مدينة خان شيخون بالغازات السامة هو “افتراء”.
ووافقت الحكومة السورية في 2013 على تفكيك ترسانتها الكيميائية، بعد اتفاق روسي أميركي أعقب تعرض منطقة الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة قرب دمشق، لهجوم بغاز السارين في أغسطس 2013 وتسبب في مقتل المئات. وتم التوصل إلى الاتفاق بعد تهديد واشنطن بشن ضربات على دمشق.
ويعدّ هذا الهجوم ثاني أكبر اعتداء بسلاح كيميائي منذ اعتداء الغوطة. وأثار الهجوم ردود أفعال منددة من المعارضة السورية والداعمين لها.
واعتبر كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف محمد صبرا أن “الجريمة تضع كل العملية السياسية في جنيف في مهب الريح، وتجعلنا نعيد النظر بجدوى المفاوضات” بعد أيام على انتهاء الجولة الخامسة منها برعاية الأمم المتحدة.
وسأل صبرا “إذا كانت الأمم المتحدة عاجزة عن ردع النظام عن مثل هذه الجرائم، فكيف ستنجز عملية سياسية تؤدي إلى انتقال سياسي في سوريا؟”.
وطالب الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية “مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة على خلفية الجريمة، وفتح تحقيق فوري”، متهماً قوات النظام بتنفيذ القصف.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت أن “استخدام أسلحة كيميائية يشكّل انتهاكا غير مقبول لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية ودليلا جديدا على الهمجية التي يتعرّض لها الشعب السوري”.
وفي أنقرة، أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال أن “مثل هذا النوع من الهجمات غير الإنسانية غير مقبولة محذرا من إنها قد تنسف كل الجهود الجارية لإحلال السلام”.
وترعى روسيا وتركيا إلى جانب إيران محادثات في أستانة تهدف أساسا إلى تثبيت وقف إطلاق نار في سوريا سار منذ نهاية ديسمبر ويتعرض لخروقات كثيرة.
وعلى هامش مشاركها في مؤتمر بروكسل حول سوريا، قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني “بالطبع المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق النظام”.
وندّد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الثلاثاء بالهجوم مطالبا بمحاسبة المسؤولين عنه.
وكتب جونسون في تغريدة على تويتر “هناك تقارير رهيبة عن هجوم بأسلحة كيميائية في إدلب بسوريا. يجب التحقيق بالحادث ومحاسبة منفذيه”.
وفي بيان له قال جونسون “رغم أنه ليس بإمكاننا بعد التأكد مما حصل، إلا أن ذلك يحمل كل سمات هجوم نفذه النظام الذي استخدم أسلحة كيميائية بشكل متكرر”.
وفي واشنطن قال البيت الأبيض إن “الهجوم الكيماوي في سوريا غير مقبول ولا يمكن تجاهله”. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر إن “الهجوم الكيمياوي الذي وقع في سوريا واستهدف أبرياء بينهم نساء وأطفال (هو) مشين”، منددا بهذا العمل “المروّع” الذي اتهم نظام الأسد بارتكابه.
ويقول مراقبون أن هجوم الثلاثاء سيدفع الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في تبدل موقفها تجاه الأسد، خاصة بعد تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أكد فيها أن مصير الأسد سيقرره الشعب السوري.
وبالفعل فقد بدأت بوادر التراجع عن التوجه الأميركي الجديد بشأن الأسد والأزمة السورية إذ اعتبرت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي الاثنين أن الرئيس السوري بشار الأسد “مجرم حرب” وأن شعبه لا يريده في السلطة ولا يريده حتى أن يترشح في أيّ انتخابات مقبلة.
وقالت هالي إن الأسد “يعرقل السلام منذ أمد بعيد” والطريقة التي يعامل بها السوريين “مقززة”.
وردا على سؤال بشأن ما قاله تيلرسون الخميس من أن مصير الأسد “يقرره الشعب السوري” وما إذا كان هذا التصريح يعني أن واشنطن تعتبر أن بإمكان الرئيس السوري الترشح في أيّ انتخابات مقبلة، أجابت هالي “كلا، هذا لا يعني أن واشنطن ستقبل بذلك”.