برزت أسماء مدن كثيرة في الحرب السورية على حساب العاصمة دمشق ومدينة حلب اللتان كانتا مفخرتا سوريا تاريخيا في مختلف المجالات.
ومع الحرب السورية ظهرت أسماء المدن البعيدة عن قلب الشام لتشكل نقاط ثقل في مشاريع إستراتيجية كبيرة تجاوزت الصراع التقليدي ( نظام - معارضة ) الذي نشبت بسببه الثورة السورية والتي تحولت فيما بعد إلى حرب أهلية بأبعاد إقليمية ودولية.
ومن بين المدن التي شكلت إنعطافة كبيرة في تاريخ الحدث السوري مدينة الرقة.
إقرأ أيضا : إتفاق الفوعة - الزبداني..... تبادل للسكان بين السنة والشيعة في سوريا
الرقة السورية:
الرقة مدينة في شمال سوريا وهي عاصمة محافظة الرقة أيضا وتقع على الحدود الشرقية لنهر الفرات وتبعد حوالي 160 كم شرق مدينة حلب.
يسكن الرقة حوالي 650 ألف نسمة بحسب إحصاء عام 2005 الذي ذكرته ويكيبيديا ومعظمهم من العرب وتعتمد على الزراعة وبعض الحقول النفطية المجاورة.
تشتهر الرقة بوجود سد الفرات وفيها متحف تاريخي يسمى متحف الرقة ووجدت بعض الآثار التي تعود إلى الحقبة العباسية.
يتحدث معظم سكان الرقة باللهجة الرقاوية وهي لهجة عربية بدوية وتأثرت باللهجات الشامية والحلبية والعراقية ولا تخل من مفرداتها الخاصة.
وقد إتخذها المنصور و هارون الرشيد عاصمة صيفية لهما ودمرها المغول كما فعلوا ببغداد.
إقرأ أيضا : المعارضة السورية تقترب من فك الحصار عن القلمون الشرقي وتلاحق داعش
أول مدينة بيد المعارضة السورية:
تعتبر مدينة الرقة السورية أول مدينة ومحافظة تسقط بالكامل بيد المعارضة السورية المسلحة الممثلة بالجيش السوري الحر وأحرار الشام، كذلك شاركت جبهة النصرة في أخذ المدينة من يد النظام السوري وتعتبر هذه معركة الرقة الأولى والتي حصلت عام 2013.
أما المعركة الثانية فحصلت بين المعارضة السورية والنصرة من جهة وداعش من جهة أخرى في 2014 وإستطاع فيها داعش السيطرة على المدينة وإخراج باقي فصائل المعارضة المسلحة منها وفيما بعد طردت داعش قوات النظام السوري من مطار الطبقة والذي كان آخر معقل للنظام في المحافظة.
وتعتبر لحظة سقوط الرقة بيد داعش لحظة مصيرية في تاريخ الشرق الأوسط كونها كانت الفاتحة لقيامة الخلافة الإسلامية التي أعلن عنها أبو بكر البغدادي لاحقا في الموصل بعد إعلانه السابق لسقوط الرقة عن ولادة الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة إختصارا ب " داعش".
إقرأ أيضا : هذه هي هوية قادة وحدات حماية الشعب الكردية وهذا ما يربطهم بنظام آل الأسد
لذلك يعتبر سقوط الرقة أول سيناريو حقيقي لنجاحات التنظيم الجهادي والذي تحول لاحقا من العمل التنظيمي داخل المدينة إلى العمل المؤسساتي على طريقة " الدولة " ففرض أجهزة قضائية وأمنية وإجتماعية وغيرها كتعبير عن سيادة " دولة الإسلام " وحاكمية " الخليفة " أبو بكر البغدادي في المدينة وخارجها.
ومن هنا تبرز أهمية المدينة من كونها تشكل الثقل الأساسي على الصعد المعنوية والدعائية واللوجستية والعسكرية والأمنية لتنظيم داعش وسيشكل سقوطها خسارة مصيرية ووجودية للتنظيم.
إقرأ أيضا : مسؤول إيراني: الأسد ورطنا
الرقة والأكراد:
وعلى وقع سيطرة داعش على المدينة وسقوط الموصل لاحقا، تشكل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة أميركا ووجه ضربات قاسية لداعش في المدينة.
وخصصت أميركا قوات برية من داخل سوريا لمحاربة التنظيم لكن المفارقة أن معظم هذه القوات هم من الأكراد وشكلوا تنظيم عرف بقوات سوريا الديمقراطية " قسد " وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية العامود الفقري للتنظيم.
إستطاعت هذه القوات تحقيق مكاسب قوية أمام داعش وطردته من عدة مناطق وكان آخرها معركة سد الطبقة ومطارها ولكن ما لاحظه كثر وأهمهم تركيا أن الأكراد بدأوا يتوسعون خارج مناطقهم الطبيعية وأعلنوا الفيدرالية من جانب واحد وقالوها بصراحة بأن عينهم هي على الرقة بحجة طرد داعش علما أن معظم سكان المدينة هم من العرب بل أشارت بعض الإحصاءات على أنه لم يكن يوجد أكراد داخل المدينة قبل الحرب.
إقرأ أيضا : إيران منزعجة وأميركا تراقب .... فهل يحرك أوباما الورقة الكردية للرد على الإتفاق الروسي التركي؟
ومن هنا برزت الرقة دوليا وتحولت بين ليلة وضحاها إلى معركة جغرافيا وحدود وقيامة دولة كردية وأخذ النزاع طابعا عرقيا وإثنيا ( عرب - أكراد ) وإقليميا ودوليا وأخرجته عن طابعه التقليدي ( نظام - معارضة).
فنرى أن الهم الإيراني والتركي واحد إتجاه قضية الأكراد وهو قطع الطريق أمام أي مخطط لقيام دولة كردية تبدأ في سوريا وقد تصل إلى إيران وتركيا.
خطة ترامب الجديدة للمدينة:
لذلك تجهد الإدارة الأميركية الجديدة في إدارة معركة الرقة والسيطرة عليها.
وتتميز إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إدارة سلفه الرئيس باراك أوباما بأنها أكثر جرأة وإندفاعة في الموضوع السوري.
فالإدارة السابقة كانت بطيئة وتراهن على المفاوضات مع روسيا وقلصت الجهود العسكرية فيما ترامب يحاول جاهدا إنهاء داعش والإستثمار السياسي والإقتصادي في ساحة الحرب.
لذلك تظهر خطة ترامب لسوريا كخطة شركة إقتصادية تبغي الربح وقد عرضت جريدة الحياة اللندنية بعض ملامح هذه الخطة.
فالخطة تهدف إلى تحقيق أولويتين وهما:
1- هزيمة داعش.
2- إضعاف الهلال الشيعي من إيران والعراق إلى سوريا ولبنان .
كما أن الخطة ترمي إلى التخلص من " الإبتزاز " التركي بخصوص إستخدام قاعدة إنجرليك التركية.
إقرأ أيضا : خطة ترامب بسوريا: إضعاف إيران وتركيا وتحويل الرقة إلى لاس فيغاس الشرق
أما ملامح الخطة فهي على الشكل التالي:
1- دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالذخيرة والأسلحة الثقيلة.
2- طرد داعش من الرقة وتحويلها إلى لاس فيغاس الشرق وإعمارها بفضل الإستثمارات المحتملة والمتوقعة بعد تحريرها.
3- زيادة الوجود العسكري شرق نهر الفرات بمشاركة 2000 من الخبراء والكوماندوس الأميركي.
4- دعم فصائل من الجيش الحر جنوب شرقي سوريا بعد تدريبها في الأردن وتوفير غطاء جوي لها قرب حدود العراق.
5- السيطرة على مطار الطبقة وتحويله إلى قاعدة عسكرية كاملة فتتخلص أميركا بذلك من " الإبتزاز " التركي التي إشترطت عدم مشاركة الأكراد في معركة الرقة فتسمح بإستخدام قاعدة إنجرليك علما أن أميركا تمتلك 4 مطارات زراعية شرق نهر الفرات وفي مناطق قسد.
وبالتالي ستسمح السيطرة على الرقة وإعمارها وإقامة 5 قواعد ومطارات عسكرية فيها إلى فصل التواصل الإيراني وإضعافه بين العراق وسوريا وتقوية النفوذ الأميركي في تلك المنطقة وهذا التواصل مهم لنقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله في لبنان.
وسيتحقق للأكراد حماية دولية لمناطقهم ضد تركيا ما سيسمح بقيام فيدرالية كاملة وربما دولة بكامل شروطها في المدى البعيد.
إقرأ أيضا : خطة واشنطن لإضعاف «الهلال الشيعي»... وتركيا
وعليه، تريد أميركا تقديم نموذجها الناجح في الحرب السورية وهي الرقة على وقع فشل الآخرين.
إنها عقلية :" الصبر الإستراتيجي " التي تحدث عنها أحد الجنرالات الأميركيين في الماضي، وهي ذات الخطة التي تناولها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إحدى خطبه.
إقرأ أيضا : بعد فراره من الموصل.. أين يختبئ خليفة داعش؟
لذلك أصبحت السيطرة على الرقة تفوق إستراتيجيا إسقاط العاصمة دمشق، وبمعارك التاريخ والجغرافيا تنشأ الأهمية الإستراتيجية للمدن في حقل المتغيرات الجيوسياسية على وقع ثابتة واحدة وهي أن معركة المدن كانت دائما حرب قيامة دول جديدة مع حدود جديدة.