نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للكاتبة إريكا سولومون، تصف فيه الوضع في مدينة الرقة السورية، العاصمة الفعلية لما يطلق عليها "الخلافة الإسلامية" لتنظيم الدولة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن سكان فروا من مدينة الرقة، وصفهم الوضع بأنه مثل يوم القيامة، حيث فر الناس في الجهات كلها، وخرج بعضهم إلى الشوارع في ملابس النوم وصرخوا، وصدمت السيارات ببعضها.
وتقول الكاتبة إن الذعر الذي حدث في الرقة الأسبوع الماضي جاء بعدما أعلن الجهاديون الذين يسيطرون على المدينة أن سد الطبقة، الواقع شرق المدينة، سينهار بعدما تعرض لغارات من قوات التحالف الدولي، وقالوا إنه في حال انهار سد الطبقة فإن مياهه ستغمر الرقة، مشيرة إلى أنه بعد عشرين دقيقة من هذا الإعلان، قال الجهاديون إن التقارير التي تتحدث عن انهيار السد كاذبة، وأمروا السكان بالعودة إلى بيوتهم.
وتبين الصحيفة أنه مع تلاشي الذعر، فإن سكان المدينة شعروا أن هناك شيئا مختلفا، فـ"الدولة"، التي حكمت لأكثر من ثلاثة أعوام تتبخر، حيث يقول صاحب بقالة، يدعى عمر، تحدث للكاتبة من مقهى للإنترنت كان يتعرض لرقابة شديدة من الجهاديين: "شعرت فجأة أن لا وجود لهم تقريبا، ولم تعد هناك حسبة، وأفرج عن السجناء كلهم، وتوقف عمال النظام وعمال الكهرباء وموظفو الزكاة عن العمل".
ويضيف عمر أن التفكك بدأ بشكل تدريجي، إلا أن حالة الذعر التي أصابت المدينة بسبب سد الطبقة مختلفة، ويقول: "كان عناصر تنظيم الدولة مثل الجرذان، كنت أجدهم في كل مكان، وشعرت أنني سأجدهم في بيتي"، ويضيف مازحا: "والآن فهم مثل الأرانب لا تراهم إلا نادرا".
ويفيد التقرير بأن الرقة ستكون الساحة المقبلة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة، فيما يقاتل التنظيم من أجل التمسك بآخر معاقله في مدينة الموصل العراقية، التي سيطر عليها عام 2014، لافتا إلى أن الرقة كانت أول المدن التي أحكم التنظيم سيطرته عليها بالكامل، وتحاصر بالكامل من قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة.
وتستدرك سولومون بأنه في الوقت الذي عانت فيه الموصل من قمع التنظيم، والتدمير بسبب المقاومة الشديدة التي أبداها المقاتلون فيها، إلا أن الفوضى في الرقة تكشف عن معرفة التنظيم بأن أيام حكمه قد انتهت، حيث يقول أحمد، وهو مواطن في المدينة: "الكل يعرف أن الرقة قد انتهت"، ويضيف أن الكثير من الرجال يدخنون في الشوارع، بعد سنوات من منع التدخين ومعاقبة من يضبط مدخنا بالجلد، وحتى النساء اللاتي أجبرن على تغطية أجسادهن من الرأس إلى القدم، تتجرأ بعضهن على نزع النقاب عن وجوههن.
وتورد الصحيفة نقلا عن البعض، قولهم إنهم يتمتعون الآن بساعة انتقام من أقاربهم الذين انضموا للتنظيم، ويقومون بالسخرية منهم، ويقول أحمد: "ترى الآن بعض الأقارب يهينون أقاربا لهم، ويقولون لهم: ألستم رجالا في دولة؟ وألم يكن شعاركم باقية وتتمدد؟"، ويزعم أحمد أن عائلته فعلت الشيء ذاتها مع قريب لها، حيث وضعته في وسط الغرفة ووبخته وكأنها كانت توبخ زعيم تنظيم الدولة أبا بكر البغدادي نفسه، بحسب زعمه.
ويشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي يتردد فيه صدى القصف من بعيد، فإن الهدوء يسيطر على المدينة، التي لا يزال المقاتلون فيها يركزون على المعركة المقبلة، فيما توقفت الإدارات، وبدأ العاملون فيها بنقل عائلاتهم إلى مناطق أكثر أمنا.
وتكشف الكاتبة عن أن التنظيم أفرغ المستشفيات، حيث نقل الأطباء إلى أماكن آمنة، مشيرة إلى أن سيدة تدعى رشا قالت إنها تجولت في المستشفيات والعيادات بحثا عن طبيب لعلاج قريب مريض لها فلم تجد.
وبحسب الصحيفة، فإن هناك اقتناعا واسعا بين السكان في المدينة بأن حالة الذعر، التي نتجت بسبب سد الطبقة، كانت مرتبة من أجل منح الغطاء للقادة والأمراء التابعين الهروب بين السكان الهاربين.
ويلفت التقرير إلى أن السكان يبحثون عن خيارات للهرب وأماكن للخروج، لكنهم يشعرون بالخوف بعد التقارير التي تحدثت عن مقتل مئات المدنيين قرب المدينة وأماكن أخرى بسبب الغارات، ولهذا يفضل معظم السكان الهروب إلى الريف، حاملين معهم المواد الغذائية المعلبة وما توفر لديهم، ويقيمون في خيم بدلا من القرى ليتجنبوا القصف، وقال مواطن إن السكان الفقراء ممن لا يملكون قرشا بقوا في داخل الرقة.
وتنقل سولومون عن مقاتلين محليين، قولهما إن التنظيم تبنى استراتيجية جديدة، حيث يعين عددا من المقاتلين للدفاع عن منطقة معينة، فيما يتحرك البقية في مناطق عدة حتى يستدعيهم القادة، لافتة إلى أن عددا منهم تحرك متجها إلى مدينة دير الزور القريبة من الحدود العراقية، والغنية بالنفط، التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم، وساحة القتال الأخيرة.
وتقول الصحيفة إن مقاتلا لاحظ نقصا في الذخيرة، وهروب المقاتلين، وغياب المقاتلين الأجانب، الذين كانوا يقودون المعارك، منوهة إلى أن عدد المقاتلين الذين لا يزالون في مدينة الرقة يقدر بحوالي ألفي عنصر، ومعظمهم من أبناء القبائل الذين بايعوا الخلافة.
ويقول مقاتل آخر للصحيفة: "أصبح الوضع محليا، وأعتقد أن التنظيم يقوم بهذا العمل عن قصد؛ ليجعل الناس عالقين في المدينة"، حيث إن المواطن من الرقة "يجبر على القتال حتى الموت، ولن يكون أمامه أي خيار للفرار، خاصة أن الجميع يعرفونه".
وينوه التقرير إلى أن البعض يشكون بأن عدد المقاتلين المتناقص يعني أن التنظيم لن يقاتل حتى الموت، مستدركا بأن معظم السكان يعتقدون أن المدينة لن تسقط قريبا، حيث أقام المقاتلون سواتر ترابية، وأغلقوا المعابر الرئيسة للمدينة.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول رشا إن المقاتلين ينشغلون بحفر الأنفاق، وتضيف: "قضوا الأشهر الثلاثة وهم يحضرون.. وستكون معركة طويلة".
(فايننشال تايمز)