كنموذج عن ذلك، ورود معلومات حديثة إلى المصريين، مفادُها أنّ هناك مجموعات من «كتائب بيت المقدس» التي تنفّذ عمليات إرهابية في شمال سيناء ويخوض معها الجيش المصري حرباً يومية هناك، تخضع لتدريبات عسكرية داخل مخيّم عين الحلوة.
وفي المعلومات أنّ القاهرة وأجهزتها الأمنية تتابع عن كثب وقائعَ ذات صلة تؤشّر لوجود خيوط داخل عين الحلوة مشدودة بعلاقات مع تنظيمات إرهابية تعمل في شمال سيناء، وكان الحدث الذروة الذي لفتَ القاهرة إلى هذا الأمر، هو تناهي معلومات إليها العام الماضي أكّدت وجود أجواء تكفيرية في عين الحلوة كانت عرفت بالهجوم الإرهابي الشهير الذي نفّذته جماعة إرهابية في مصر وأدّى إلى اغتيال عدد من القضاة المصريين، وذلك قبل أيام من حدوث هذا الاعتداء الإرهابي، ما أشَّرَ للقاهرة عن وجود صلة بين الإرهاب الذي يضرب في مصر وعناصر متصلة به مقيمة في عين الحلوة.
وإلى الهواجس المصرية هذه، تسرّبَت أيضاً أخيراً عن مصادر تعمل داخل مؤسسات الأمم المتّحدة، استفسارات بدورها تثير القلق، ومفادُها ما كشفَته من معطيات لديها بأنّ مؤسسة إنسانية دولية معروفة، قامت فعلاً، أو هي في صَدد القيام، بمناورة إخلاء سكّان داخل مخيّم عين الحلوة!
والسؤال الذي يطرح نفسَه إزاء هذه المعلومة، هو عن السبب الذي يدعو مؤسّسة دولية إلى إعداد خطط وتنفيذ مناورات غايتُها افتراض وجود حاجة لإجراء عمليات إخلاء للاجئين في المخيّم تحت ظروف شنّ حرب عليه أو اقتتال في داخله.
من وجهة النظر الأمنية اللبنانية، فإنّ الوضع في المخيّم يستمرّ تحت السيطرة، على رغم كلّ الأزمات التي تشوبه ولا يوجد لبعضها حلٌّ حتى الآن، وفي مقدّمها قضية الإرهابيين المطلوبين للدولة اللبنانية الذين تَعِد الفصائلُ الفلسطينية داخل عين الحلوة المرّة تِلوَ الأُخرى بتسليمهم، ولكنّها لا تفعل ذلك لعدم قدرتها على حسمِ هذا الموضوع.
وينقل ديبلوماسي مقيم في بيروت ويراجع الجهات اللبنانية المعنية في صَدد الوضع في المخيّم، أنّ عدد الإرهابيين الفعليين في المخيّم، المطلوب تسليمهم لأنّهم يشكّلون خطراً ليس فقط على عين الحلوة وعلى لبنان، بل أيضاً على أمن غيرِ دولة إقليمية وأجنبية، يبلغ حصراً 42 إرهابياً، وليسوا مئة.
وأنّ هؤلاء الإرهابيين تتابعهم الأجهزة الأمنية اللبنانية وجهاتٌ أمنية عربية وعالمية عدة، نظراً لوجود معلومات عن ارتباطهم برموز لـ«القاعدة» و«داعش» وتنظيمات أخرى متطرّفة تنشَط في غير دولة.
وتورد معلومات مستقاة من جهات متقاطعة مهتمّة بمتابعة تفاصيل ما يَجري في عين الحلوة، حقائقَ عدة تُعتبر صادمة من وجهة نظرها وتحتاج إلى معالجة سريعة:
ـ الحقيقة الأولى تفيد أنّ قياس التحوّلات الأمنية داخل ديموغرافيا المخيّم منذ العام 2007 حتى العام 2017 يُظهر نتيجة مقلِقة، مفادُها أنّ رقعة انتشار وجود الجماعات المصنَّفة بأنّها تكفيرية داخل عين الحلوة، تتوسّع باطِّراد عاماً بعد عام، وعلى نحوٍ جعلَ حالياً المنطقة التي تنتشر فيها هذه المجموعات داخل المخيّم هي أكبر مساحة من المنطقة التي تنتشر فيها الفصائل غير المصنَّفة إرهابية.
ويؤكّد أحدثُ استطلاع أمني تتّفق على صدقية خلاصاته جهاتٌ عدة معنية ومسؤولة، أنّ الجماعات الإسلامية المتشدّدة والتي هي محلّ قلق منها، باتت، حالياً، تنتشر على مساحة 60 في المئة من مجمل مساحة المخيّم.
ـ الحقيقة الثانية تتّصل بسيناريو يتّصف بأنه ليس قليلَ الاحتمال، وقد تبنَّته أجهزة أمنية غربية، ويحذّر من إمكانية محاولة «داعش» تعويضَ خسارتها المحتملة في الرقّة بالهجرة إلى عين الحلوة وشمال لبنان.
وهذا السيناريو تتمّ مناقشة احتمال حصوله انطلاقاً من تطبيقات نظريةِ «ملءِ الفراغ الاستراتيجي» التي تُطبّقها «داعش» في حروبها منذ نشأتها حتى الآن. وفي تفاصيلها أنّ السؤال المطروح حاليّاً ليس فقط ماذا عن السيناريو الأميركي في الرقة؟ بل أيضاً كيف ستتصرّف «داعش» إزاء فتحِ معركة الرقة ضدّها؟
المطّلعون على تفكير «داعش» يقولون إنّها لم يسبق لها أن قاتلت على محور أو على جبهات ثابتة، بل قاتلَت دائماً وفق نظرية تعبئة الفراغات الاستراتيجية والسيطرة عليها بنحو مباغِت. هكذا فعلت في الرقة وأيضاً في الأنبار والموصل وغير منطقة.
وفي كلّ مرّة تشعر «داعش» بأنّ هناك تحشيداً عسكرياً استراتيجياً لإخراجها من منطقة، تُخرج صفَّها الأوّلَ القيادي والنخبوي العسكري لمصلحة إبقاء قوّات هجينة تقاتل بأسلوب إيذاء المهاجم. أمّا الصفّ القيادي فيهاجر إلى منطقة تحدّدها «داعش» كمنطقة فراغ استراتيجي تمهيداً للسيطرة عليها.
أتباعُ هذه النظرية يؤكّدون أنّ «داعش» أخرجَت جسمها العسكري النخبوي من الرقّة، ولكن لم يُعرف بعد في اتّجاه أيّ جهة. ولكن ضمن توقّعاتهم يوجد احتمال أن تكون «داعش» تَعتبر ساحات في لبنان مناطقَ فراغ استراتيجي، خصوصاً في عرسال وعين الحلوة وشمال لبنان.
وعلى رغم أنّ طرد «داعش» من مدينة تدمر المؤدّية إلى ريف حمص، حيث كان يمكنها منه تجاوُز القصَير في اتّجاه البقاع والشمال اللبناني، أدّى إلى إبعادها عملياً عن لبنان، وألغى احتمالَ أن تهاجم مناطق في بقاعِه وشماله بأرتال كبيرة، إلّا أنّ ساحات أخرى في لبنان، خصوصاً عرسال ومنطقتها، ومخيّم عين الحلوة وجواره، يَظلّان مرشّحين لأن يَشهدا محاولات «داعش» للتسلّل إليهما عبر أساليب عدة، لتطبّق فيهما نظرية ملءِ مناطق الفراغ الاستراتيجي، بحيث تحتشد فيهما وتسيطر عليهما، وتمارس منهما حربَ إثبات حضور.