شهدت منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت مؤخرا انتشارا كثيفا لعناصر مسلحة ومقنعة تدور في فلك حزب الله.
وتنتمي هذه العناصر إلى “سرايا العباس”، وقامت بتنفيذ عمليات مداهمة لأماكن وجود تجار ومتعاطين للمخدرات تحت عنوان الحرص على الأمن الاجتماعي.
وكان رئيس بلدية برج البراجنة أسامة منصور قد صرح “أن قيادة حزب الله نفت له علمها بانتشار عناصر تابعة للحزب في شوارع ضاحية بيروت الجنوبية، وأن بعض الشباب المتحمس أراد القيام بمبادرة لتشجيع الدولة على تفعيل مكافحة المخدرات”.
ويؤكد النائب عن تيار المستقبل أمين وهبي لـ”العرب” أن استعراض حزب الله العسكري في الضاحية “يوجه رسائل إلى الحكومة الجديدة بشكل خاص وإلى القادة الأمنيين الجدد الذين تسلموا مناصبهم منذ فترة قريبة”.
يلفت وهبي إلى كون الحزب “يضغط في اتجاه ضرب ولاء قادة الأجهزة الأمنية المعينين حديثا للدولة، ويحاول أن يفرض عليهم الإذعان لمنطقه وسياسته وهو ما من شأنه أن يسيء إلى القوى الأمنية وأن يصيب الدولة في مقتل”.
ويعتبر النائب عن الجماعة الإسلامية عماد الحوت أن استعراض حزب الله “لم يأت في إطار توجيه رسائل بقدر ما كان يعبر عن انفجار أزمة اجتماعية في المناطق الخاضعة للحزب بسبب انفلات الوضع الأمني الذي كان مسؤولا عنه”.
ويؤكد الحوت “أن هذا الاستعراض يصب في محاولة ضبط نتائج سوء تصرف حزب الله في مناطقه”.
ويقول الحوت أن هذا المشهد الاستعراضي يشير إلى أن الحزب ” لم يعد مسيطرا على الأمن في الضاحية، وهو يعيش حاليا نتائج تغطيته على الممارسات غير القانونية ما جعله مضطرا إلى التدخل مباشرة”.
ويأتي توقيت الاستعراض العسكري لحزب الله وفق وهبي ليعلن أن الحزب “ليس مرتاحا لوضعه تماما، ولكنه قد يكون مرتاحا لكونه لا يواجه كما يجب على المستوى السياسي”.
ويضيف “عدم ارتياح الحزب عائد إلى نجاح القوى الأمنية في تحقيق إنجازات تمثلت في إلقاء القبض على عدد من تجار المخدرات، وقد منحها هذا الأمر حضورا وهيبة يتناقضان مع مصلحته التي تتطلب تجريد الدولة من المصداقية والسلطة”.
وتوالت ردود الأفعال على هذا الظهور المسلح وكانت لهجة وزير الداخلية نهاد المشنوق عالية النبرة ولافتة في هذا السياق، حيث اعتبر في تغريدة له على حسابه على موقع تويتر أن “استعراض حزب الله مدان جملة وتفصيلا، وهو صفعة في وجه العهد الجديد وتحد لمنطق الدولة”.
وأعرب عن نيته اتخاذ “الإجراءات التي يفرضها القانون، منعا لكل أفكار الأمن الذاتي التي يرفضها كل اللبنانيين”.
ويعرض وهبي العلاقة المحتملة بين استعراض الحزب العسكري وبين الضغط في سبيل إقرار عفو عام يشمل تجار ومتعاطي المخدرات معتبرا أن الحزب ” يخطئ السبيل إذا كان يحاول استخدام التهديد العسكري في سبيل تسريع إقرار العفو العام، لأن الدولة تشترط أن يتعهد جميع من يشملهم هذا العفو بالتوقف عن ممارسة نشاطاتهم المخلة بالأمن، كما تفرض صيغة تشديد العقوبة في حال تكررت المخالفة والمحاسبة على المخالفات القديمة والجديدة”.
ويشدد وهبي على أن تنصل حزب الله من هذا الاستعراض العسكري يأتي في إطار “التأكيد على إيصال رسائل التهديد إلى كل الجهات التي يريد إيصالها إليها مع الحرص على عدم تحمل المسؤولية عنها”.
ويعلن أن “انفجار موضوع المخدرات في الضاحية بات أكبر من قدرة حزب الله على ضبطه فمع أنه كان السبب في نشوئه ولكنه خرج عن سيطرته، لأن منعه الدولة من بسط سيطرتها على الضاحية الجنوبية جعل أهلها فريسة للخارجين على القانون”.
وكان وزير العدل السابق أشرف ريفي قد صرح قائلا “بدلا من أن تتولى القوى الأمنية اجتثاث ظاهرة المخدرات والممنوعات شاهدنا مظهرا يؤكد استقالة الدولة لمصلحة الدويلة بالأمن وتطبيق القانون”.
وغمز ريفي من قناة رئيس الجمهورية متسائلا عما إذا كان “ما قاله عن عدم قدرة الجيش على الدفاع عن لبنان بات ينطبق على القوى الأمنية وهل هي غير قادرة على حماية الأمن الاجتماعي”.
ويؤكد الحوت أن “حزب الله لم يلتفت إلى الواقع السياسي الجديد الناتج عن وجود رئيس للجمهورية وقيام حكومة ووجود مؤسسات أمنية وبروز إجماع عام على رفض منطق الأمن الذاتي أو الفيدراليات، من هنا فإن حجم ردود الأفعال على ممارسة الحزب أجبرته على إعادة النظر في مواقفه والتنصل التام من مسؤوليته عنها”.
ويعتبر أن تنصل حزب الله من المسؤولية المباشرة عن استعراض سرايا العباس يعود إلى كونه لم ينجح في تقدير ردود الأفعال وإلى أنه كان يعتبر أن مثل هذه الممارسات باتت طبيعية وعادية ويمكنها أن تمر مرور الكرام.
ويشدد الحوت على أن شبكة الإحراج التي سببها الموضوع “طالت جميع القوى السياسية بغض النظر عن طبيعة علاقتها بحزب الله وهو ما دفعها إلى إطلاق مواقف واضحة وعالية النبرة ترفض هذا السلوك انسجاما مع توجهات نظر الرأي العام”.
شادي علاء الدين