عبرت معظم المهل الدستورية الأساسية المرتبطة بالتحضيرات الخاصة بالعملية الإنتخابية من دون أن يتحقق أيّ منها لا على مستوى دعوة الهيئات الناخبة ولا تشكيل الهيئة المشرفة على الإنتخابات وما عداهما من الترتيبات اللوجستية والأمنية والقضائية التي كان يجب أن تواكبها.
ولو لم تضع الوزارات والمؤسسات العامة لوائح الموظفين المستعدين للمشاركة في إدارة صناديق الإقتراع لما أدرك أحد أنّ نهاية ولاية المجلس النيابي قد اقتربت بعد تمديدين وفّرا ولايتين كاملتين للمجلس المنتخب منذ العام 2009.
وفي المقابل، فقد انعكس الفشل في مقاربة الإستحقاق النيابي في بداية العهد الجديد على انطلاقته بعدما تصوّر أنّ هذه الإنتخابات ستكمل الإنجازات التي تحققت.
فسيد العهد لم يعتبر أنّ حكومة «استعادة الثقة» كانت حكومة العهد الأولى معتبراً أنّ تلك التي ستلي الانتخابات النيابية هي الحكومة المحسوبة عليه، ووفق قانون جديد يصحّح التمثيل المسيحي استكمالاً لإستعادة الجمهورية القوية والتي يعتقد أن لبنتها الأولى كانت بوصوله الى قصر بعبدا.
وعليه، فإنّ مَن ينظر الى واقع الأمور من هذه الزاوية سيرى أنّ كل ما يجرى يستهدف العهد، فالإنتخابات النيابية التي كانت ستحدّد بداية الولاية الرئاسية لم تتحقق. وهو ما سيشكل فرملة لمسيرة «السلطة السياسية» التي تباهت بالتعيينات العسكرية والأمنية والإدارية وكان لا بد من أن تستكملها بإنتاج قانون الانتخاب الجديد.
ولذلك كبرت الخيبة عندما انهارت العملية السياسية على أبواب الإستحقاق الإنتخابي بعدما تعطلت كل الآليات التي يمكن أن تؤدي اليه. وبات العهد امام استحقاق التمديد مرة ثالثة، سواءٌ اعتُبر تمديداً تقنياً أو سياسياً أم إدارياً، فالنتيجة واحدة وملخصها أنّ العهد فشل في إجراء الإنتخابات كما العهد السابق وفي ولاية الشغور.
وأمام مسلسل الحقائق هذه يستذكر اللبنانيون المراحل التي سبقت استحقاق 2013 في الشكل والمضمون. ففي تلك المرحلة عبرت مثل هذه الأيام من دون أن تنجح الحكومة في إجراء الإنتخابات النيابية على رغم أنّ وزير الداخلية مروان شربل أنجز التحضيرات كافة ووجّه الدعوة اليها في 9 حزيران بعدما فتح باب الترشيحات في 11 آذار وفق القانون 25 /2008 بعد أيام على إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في الثالث من الشهر عينه.
لكنّ السلطة في تلك المرحلة عجزت عن البت بالقانون الجديد الذي أقرّته الحكومة وأحالته الى مجلس النواب الذي لم يبت بالمراحل التشريعية الأخيرة ليتحوّل قانوناً نافذاً. فلا جرت الإنتخابات على اساسه ولا على اساس القانون النافذ كما هي الحال اليوم.
وجاء مشروع التمديد لينهي تلك المرحلة في الشكل الذي انتهت اليه على وقع سقوط المجلس الدستوري في فخ فقدان النصاب السياسي والطائفي وعجزه عن البت بالطعون التي رُفعت أمامه لمنع التمديد وفرض الإنتخابات.
وللتاريخ ايضاً، فقد تجدّدت التجربة عينها ربيع العام 2015 عندما استحقت الإنتخابات مرة أخرى بانتهاء الولاية الممدّدة للمرة الأولى، فتجدّدت السيناريوهات التي نشهدها اليوم بفوارق متعددة. فالمرحلة كانت تتّسم بالشغور الرئاسي ولم يقدم وزير الداخلية في حينه نهاد المشنوق على دعوة الهيئات الناخبة ولم تشهد وزارة الداخلية أيّ إجراء يتصل بالتحضيرات اللوجستية الإدارية الإنتخابية الى أن فرض التمديد نفسه مجدداً من دون أن تسجّل حكومة الرئيس تمام سلام أيّ ردة فعل فجاء قرار التمديد مكمّلاً للولاية الثانية للمجلس الى 20 حزيران المقبل امراً واقعاً جديداً ومكرَّراً.
أما اليوم، ومع اقتراب انتهاء ولاية المجلس فقد تجاوزت السلطة السياسية معظم المهل الدستورية المرتبطة بآليات الدعوة الى الإنتخابات. فرئيس الجمهورية موجود لكنه رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي رفعه اليه وزير الداخلية حاملاً توقيع رئيس الحكومة في انتظار القانون الجديد الذي لم يولد بعد في ظلّ وجود عشرات القوانين المطروحة التي لم يُجمع اللبنانيون على أيٍّ منها.
وهو ما أثبت مرة أخرى العجز المتمادي للسلطة على وقع مواجهات يسعى من خلالها البعض الى ممارسة حق «الفيتو» للحؤول دون ما يؤدّي الى انتقاص مقعد واحد من حصته.
وبناءً على ما تقدّم، تبدو الأيام المقبلة الفاصلة عن آخر المهل الدستورية المحدَّدة في 20 نيسان المقبل حيث يتبقى 60 يوماً على نهاية ولاية المجلس، تتّجه الأنظار الى قصر بعبدا لمعرفة ردة فعل عون الذي على ما يبدو قد تأثر في الأيام الأخيرة بموقف رئيس مجلس النواب الذي حمّل الحكومة مسؤولية وصول البلد الى انفجار قد يقود الى انقلاب نتيجة عدم الوصول الى إنتاج القانون الجديد.
وهو مستعد لتلقّف الأمر والرد عليه ايجاباً، على رغم القول إنّ الحكومة في تركيبتها هي المجلس النيابي مصغر ولا فارق في تحميل المسؤولية للمجلس أو الحكومة فهما توأمان لا يمكن الفصل بينهما.
وعليه فإنّ ما هومتوقع يتلخص بما تردّد عن خطوة جديدة يستعد لها رئيس الجمهورية وهو ينتظر جلسة مناقشة الحكومة ومساءلتها لتكون مهلة نهائية، فإن قادت الى القانون الجديد كان به، وإلّا فسيكون له موقف أمام مجلس الوزراء في أول جلسة حكومية تُعقد في 11 نيسان الجاري ليقول كلمته الفصل فيها توصّلاً الى قانون جديد. والى حينه سيطرح عون القانون الذي يراه مناسباً للبتّ به سواءٌ كان من بين القوانين المطروحة أو وفق صيغة جديدة قد يفاجئ الجميع بها!؟