هل تشهد الأيام المقبلة فتح ثغرة في جدار الأزمة تسمح بالتوصل إلى قانون جديد للانتخابات النيابية، يعتمد النظام النسبي؟ حتى يوم أمس، كانت كل المواقف تشير إلى أن الأفق مسدود. لكن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، كشف معطيات جديدة. ففي خطاب له في بلدة زوطر الشرقية في الجنوب، قال رعد: «خلال أيام ــ إذا صدقت النيات ــ فسيتم الانتهاء من القانون الانتخابي. وإننا في ربع الشوط الأخير من إنجازه».
وعبّر رعد بصراحة عن رفض كل صيغ القانون المختلط، قائلاً: «كل صيغ القانون المختلط حتى لو نجحت صيغة منها ستكون نتيجتها بكل بساطة وصراحة بأن تأكل حق أحد ما». وكرّر موقف حزب الله الداعي إلى اعتماد النسبية الشاملة، لافتاً إلى أن «النسبية مع الدائرة الواحدة هي أفضل الصيغ، لأنها تعطي الحق لكل المكونات بأن تشارك في الانتحابات لتأخذ حصتها بقدر حجمها». وكشف أنَّ «فريقاً وازناً في البلد وافق على طرح النسبية مع الدوائر المتوسطة، وتجري مناقشات في تفاصيل هذا الطرح الآن». وأعلن رئيس كتلة حزب الله النيابية ثلاثة «فيتوات» بشأن الملف الانتخابي: لا للفراغ، ولا للتمديد، ولا للعودة إلى «الستين».
وفي هذا الإطار أكد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميِّل ضرورة الإسراع في إقرار قانون انتخابي عادل لا يكون مفصلاً على القياس، بل يرتكز على وحدة المعيار، داعياً إلى اعتماد قانون بكركي الذي توافق عليه المجتمعون في الصرح البطريركي والقاضي باعتماد 15 دائرة على أساس النسبية، متسائلاً: «لماذا يجري التنكر له اليوم ما دام يمثل قاسماً مشتركاً بين مختلف الطروحات المتداولة؟». أما النائب آلان عون، فأشار إلى أنه «في حال عدم الاتفاق على قانون للانتخاب، سنذهب باتجاه التصويت في مجلس الوزراء، ومن ثم في مجلس النواب».
من جهة أخرى، وفي الوقت الذي تتفاعل فيه المطالبة بإقامة مخيمات للنازحين السوريين في مناطق قريبة من الحدود اللبنانية ــ السورية، ارتفعت حدّة الخطاب العدائي تجاه هؤلاء النازحين، فيما تتجه الأنظار إلى مؤتمر بروكسل الذي سيُعقد غداً ويشارك فيه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي غادر مساء الأحد في جولة أوروبية.
ليست هي المرة الأولى التي يشكّل فيها هذا الملف مادة للمزايدات. كذلك ليست المرة الأولى التي تعقد فيها اجتماعات وزارية لوضع خطط ورؤية بشأن النزوح وتداعياته، ومحاولة استغلال هذا الملف للحصول على المزيد من الدعم المالي من الخارج من ناحية ولاستثمار العبء الإنساني لغايات سياسية من ناحية أخرى. علماً أن الحكومات المتعاقبة، تتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية، بعد أن غضّت بصرها عن هذا اللجوء في بداياته، متجاهلة عدد اللاجئين وأوضاعهم. منذ أسبوعين احتلّ ملف النازحين حيّزاً من نشاط السرايا الحكومية، حيث ترأس الحريري أكثر من اجتماع للبحث في سياسة الحكومة بشأن النازحين، تمهيداً لعرضها في مؤتمر «بروكسل». وبناءً على هذه الاجتماعات، تقرر أن تتضمّن ورقة الحكومة إلى المؤتمر عدة عناوين، هي «ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية للنازحين، ودور المجتمع الدولي في تقديم هذه المساعدة، لأن لا قدرة للبنان على مواجهة هذه الأعباء، وضرورة دعم المواطنين المحتاجين كافة، ودعم المجتمعات المضيفة للاجئين محلياً، عبر خدمات محلية كتأمين البنى التحتية» بحسب مصادر وزارية.
هذه الحماسة غير المتوقعة التي أظهرها الحريري وفريقه تعبّر بحسب مصادر في فريق 8 آذار عن «هروب داخلي من تناول العناوين الخلافية» من جهة. ومن جهة أخرى «هي محاولة استثمار يُمكن البناء عليها لغاية لها علاقة بشخص الرئيس الحريري وحكومته مع الدول التقليدية الراعية له». وقد استغربت المصادر أن يكرّر الحريري أخطاء الحكومات السابقة في موضوع تحصيل الأموال، وهو المدرك تماماً أن غالبية الدول منذ سنوات «كسرت إيدها وشحدت عليها» رغم كل المناشدات. وذكّرت المصادر بمحاولات حكومة الرئيس تمام سلام التي لم تؤتِ ثمارها، بعد أن اكتفت الدول بتقديم مساعدات عينية، وبالتالي ما يقوم به الحريري ليس سوى «صرخة استعراضية».
مصادر وزارية لفتت إلى أن «مطالبات الحكومة ليست جديدة، بل هي مما سبق واتفق عليها سابقاً، وهي تحمل في مضمونها إقامة مخيمات شرعية للمعارضة السورية، وهو مطلب أميركي وعربي في الأساس لمنع النظام السوري من فرض سيطرته على كل المناطق». وتقول المصادر إنَّ «الورقة تبدو في الشكل جامعة، إنما في جوهرها الكثير من الخلاف، إذ كل طرف في الحكومة ينظر إلى هذا الملف من زاوية مختلفة، تتعلق إما باستخدامه كورقة ضد الدولة السورية، وإما الخوف من خلل ديموغرافي أو تحقيق مصلحة سياسية وأمنية».
في المقابل، أكدت مصادر تيار المستقبل أن ما يقوم به الحريري هو «عملية ضغط على المجتمع الدولي لتحصيل حقوق لبنان»، وأن أهم ما في الورقة هو «المناطق الآمنة، إذ إننا نسعى إلى الاحتكام لقانون المجتمع الدولي الذي يتولّى تعريفها، وهو من يحدد أماكنها، إذ إننا لن نتحمل نحن مسؤولية إعادة النازحين». وفيما يتهرب المستقبل من الإجابة عن سؤال حول التنسيق مع الجهات الرسمية السورية، رفضت المصادر وصف كلام الحريري بالعدائي أو التحريضي، مشيرة إلى أن حديثه عن «نزاعات أهلية لبنانية ــ سورية محتملة هو أمر واقع وقد بدأنا نشهده في أكثر من منطقة».
وكان الحريري قد حثّ من باريس أمس «الدول على مساعدة لبنان في الوضع الذي يعانيه بظل وجود نازحين على أرضه»، مشيراً إلى أنه «يجب على المجتمع الدولي النظر إلى الموضوع بنحو مختلف، ولبنان لا يستطيع تحمل عن المجتمع الدولي مليون ونصف مليون نازح، خاصة أن الأزمة السورية لم تنته بعد». ولفت في تصريح له بعد لقائه نظيره الفرنسي برنار كازنوف إلى أن «المجتمع الدولي ليس واعياً للأزمة التي نعيشها في لبنان نتيجة النزوح». أما وزير الخارجية جبران باسيل، فقد اعتبر في خلال محاضرة له في جامعة سيدني أنه «ليس من الضروري أن يكون جميع اللاجئين أبرياء، وهناك خطر عالي المستوى من أن يستفيد الإرهاب من مسألة اللجوء لعبور الحدود»، مؤكداً أنَّ «موضوع اللاجئين يؤثر بالوضع الديموغرافي في لبنان».