مناخ البلد الانتخابي تفاؤليّ بشكل عام، والإيجابيات التي أشيعَت في الساعات الماضية وصلت إلى وضعِ القانون الانتخابي على شفير الولادة، والمسألة مسألة ساعات. إلّا أنّ التعمّقَ في هذا الجوّ يُظهر أنّه تفاؤل مبتور من النوع الفاقد للعناصر التي تجعل منه أمراً ملموساً. يقترن هذا الواقع بوضعٍ حكوميّ مصاب بالتوتّر الكهربائي الذي يُنذر باشتباك جدّي في أوّل جلسة لمجلس الوزراء، دخولاً مِن باب تلزيم بواخر الكهرباء وكذلك من باب تصحيح قرار له علاقة بالكهرباء أخرجَته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بغير الصيغة التي أقِرَّ فيها في مجلس الوزراء. إلّا أنّ الصورة الداخلية لم تستطِع أن تحجب المشهد الدموي الذي قدّمه الإرهاب وأسقَط عشرات الضحايا في سان بطرسبورغ الروسية، حيث طمأنَت السفارة اللبنانية في روسيا أن ليس بين الضحايا لبنانيون.
لكأنَّ هناك مطبخاً غيرَ مرئي وظيفتُه فقط ضخُّ إيجابيات غير مبنية على معطيات أكيدة وجدّية، فيما حقيقة الأمر هي أن لا شيء في اليد ولا تَقدُّم يُعتدّ به على الطريق الانتخابي، بل رهان على ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة على هذا الصعيد.

ولعلّ ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره في موازاة هذا التفاؤل أبلغُ دليل على هذه السلبية: «حتى الآن أنا ليس عندي أيّ شيء جديد، ولا أقول فول حتى يصير بالمكيول».

بعيداً من الغرق في الإيجابيات الوهمية، فإنّ صورة المشهد الانتخابي تعكس أنه محكوم من جهة بفئة تزيّن الصورة أمام اللبنانيين برغم سلبيتها، ومن جهة ثانية بتمنّيات تتدحرج من كلّ حدب وصوب بإنجاز القانون وإنقاذ الاستحقاق الانتخابي وإخراج البلد من الاحتمالات السلبية التي تلوح في الأفق والتي دخلت عملياً في سباق سريع مع مهلة الاسبوعين التي تنتهي في 15 نيسان الجاري والتي حُدّدت كآخر فرصة لإنتاج قانون، وإلّا فالبلد أمام الدخول إلى التمديد أو الفراغ.

من هنا فإنّ الأنظار مشدودة إلى مجلس الوزراء، الذي يفترض أن يشكّل حلبة الحسم للملفّ الانتخابي، بعد جلسة المناقشة العامة للحكومة التي تنطلق بعد غدٍ الخميس في مجلس النواب.

وفي هذا السياق علمت «الجمهورية» أنّ اتصالات على مستويات سياسية وحكومية ووزارية قد جرت في الساعات القليلة الماضية، وبَحثت في إمكانية عقدِ جلسة للحكومة لبحث القانون الانتخابي، ليس في السراي الحكومي بل في القصر الجمهوري، لأهمّية الموضوع.

وكشفَت مصادر وزارية ونيابية لـ«الجمهورية» أنّ الأمور حسِمت في اتّجاه عقدِ هذه الجلسة، وأمّا موعدُها فيفترض أن يحدّده رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي دشّن جولتَه الاوروبية بلقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي قلّده وسامَ جوقة الشرف برتبة كوماندور باسمِ الدولة الفرنسية في احتفالٍ أقيمَ في قصر الإليزية، بالتوافق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

على أنّ الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء قد لا تكون باردةً، حيث كشفَت المصادر أنّ شرارة توتير سياسي اندلعَت في الساعات الأخيرة بين بعض الضفاف الحكومية على خلفية كهربائية لها علاقة بمناقصة وزارة الطاقة لتشغيل بواخر التغذية.

وفيما توقّعت مصادر وزارية أن تفتح المناقصة مشكلة سياسية في مجلس الوزراء، خصوصاً وأنّ كلفة المناقصة تبلغ ملياراً و880 مليون دولار لتشغيل بين 800 و1000 ميغاوات فقط، لوحِظت اعتراضات وزير المالية علي حسن خليل على هذا الأمر وتوجّهه إلى إثارته في مجلس الوزراء. في حين اكتفَت أوساط قريبة من وزارة الطاقة بالقول: نقارب هذا الملف وفقاً للأصول وضمن السياق الذي لا يخرج عن مصلحة البلد.

جلسة منتجة... أو؟

وأملَ مرجع سياسي عبر «الجمهورية» في أن تكون الجلسة، إذا ما عقِدت، جلسةً منتجة لا جلسة تشعِل فتيل التوتّر السياسي من الباب الانتخابي ايضاً، ويفترض بالتالي أن تشكّل هذه الجلسة مائدةً لبحث الصيَغ الانتخابية، والأكثر ترجيحاً للبحث هي الصيغة الاخيرة المقدّمة من الوزير جبران باسيل (التي تُحاط بملاحظات سلبية عليها من قوى أساسية، إذ إنّ «حزب الله» لم يوافق عليها وكذلك برّي). وأمّا الصيغة الثانية والتي عادت الى التقدّم مجدّداً، فهي الصيغة المقدّمة من بري لقانون مختلط (64 –64). والأهمّ في هذا السياق هو ألّا تعلَّق الجلسة في زحمة الصيَغ ولا تستطيع أن تتجاوز مطبّاتها.

وقالت مصادر وزارية عاملة على خطّ البحث الانتخابي لـ«الجمهورية»: «إنّ مهمة الحكومة في هذا الجو السياسي، قد لا تكون سهلة في الوصول خلال ايام الى توافق بين مكوّناتها على صيغة قانون فشِلوا في الوصول اليها على مدى اشهرعدة، فضلاً عن انّ التوافق هو اساس عمل مجلس الوزراء. وهذا ما يجب ان يتأمّن حول القانون الانتخابي، لأنه بغير التوافق قد نَفتح صفحات مجهولة».

وبحسب المصادر نفسها فـ«إنّ القانون الانتخابي يتطلب توافقاً شاملاً، وأمّا البتّ به بالتصويت في مجلس الوزراء فهذا يتطلّب أولاً أن ينال ثلثَي أصوات الحكومة، وإنْ تمّ الذهاب الى التصويت فهذا يمكن ان يخربَ البلد، وإذا ما تأمّنَ الثلثان وتمّ التصويت على هذا الاساس ستَشعر الفئة المعترضة عليه بأنّها معزولة أو مهمّشة أو أنّها تتعرّض للإبعاد والإلغاء والإبادة فساعتئذٍ كيف سنخلص؟، سندخل في دهليز لا نستطيع الخروجَ منه».

وفيما توقّفت مصادر سياسية عند إشارة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد الى انّ فريقاً وازناً وافقَ على النسبية، أكّدت المصادر أنّ المقصود بالكلام هو الرئيس الحريري، فيما رحّبَت أوساط رئيس المجلس بهذا الموقف واعتبرَته نقطة إيجابية يمكن البناء عليها للتقدّم الإيجابي نحو القانون الجديد.

وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» إنّ «المخرج للجميع هو ان نذهب الى قانون عادل ينتخب فيه اللبنانيون كلّ اللبنانيين، لا أن تنتخبَ طائفة او مذهب، كلٌّ جماعتَه. وكرّر «أنّ القانون الانتخابي الذي لا تُعرف نتائجه سلفاً هو القانون الأمثل والأسلم للبنان. ولأنّ كلّ الصيغ المطروحة معلومة النتائج، لا نستطيع أن نقول تعالوا نذهب إلى الأفضل بينها، بل تعالوا نذهب الى الأقل ضرراً».

عون

إلى ذلك، جدّد عون التأكيد على أنّ قانوناً جديداً للانتخابات سيتمّ إقراره، يؤمّن عدالة التمثيل ويَحترم النظام الطائفي القائم في لبنان ويحافظ على حقوق الجميع».

شهيّب لـ«الجمهورية»

وقال النائب اكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: «إنّ الرئيس بري حريص دائماً على المصلحة الوطنية العليا، وكان قد نبَّه سابقاً لكي لا نصل الى هذا الواقع اليوم، تحدّثَ عن سلّة وحوار لكن لم يؤخَذ بها للأسف، فوصَلنا الى ما وصلنا عليه اليوم».

اضاف: «إمّا أن يأتي مشروع قانون من الحكومة او هناك اقتراحات عملية بعيدة من ضمان النتائج قبل إجراء الانتخابات النيابية على قاعدة المختلط، التي تراعي المصلحة الوطنية العليا بنقطتين: العيش المشترك والشراكة تحت شعار المختلط، ولو أُخِذ برأي الرئيس بري منذ فترة لَما كنّا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم».

وختم شهيّب: «لقد كانت طاولة الحوار مدخلاً لمخرج لائق للجميع».

ستريدا

واستبعَدت عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب ستريدا جعجع التمديدَ النيابي أو دخولَ البلاد في الفراغ، وأبدت لـ«الجمهورية» تفاؤلها بإمكانية الوصول الى قانون انتخابي جديد قريباً إذا كانت النيّات سليمة عند كلّ الأطراف، بحيث يمكننا الوصول الى قاسمٍ انتخابي مشترَك، وهذا ما أكّد عليه بالامس الوزير جبران باسيل وقبله الرئيس سعد الحريري واليوم «حزب الله»، الذين أجمعوا على إمكانية ولادة القانون العتيد من الآن وحتى الأسبوعين المقبلين.

من جهةٍ ثانية، طمأنَت جعجع مَن سمَّتهم بـ«الغيارى»، إلى حسنِ العلاقة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وقالت: «لقد حاولوا إبّان فترة تبنّي «القوات» ترشيحَ العماد عون دقَّ إسفين بيننا وبين «التيار» إلّا أنّ محاولاتهم باءت بالفشل، واليوم يكرّرون فِعلتَهم، إلّا أنّنا نُطَمئنهم الى انّ محاولاتهم ستبقى مجرّدَ أمنيات، فالعلاقة مع «التيار» جيّدة ومتينة وواعدة في المستقبل.

وإذا كانت هناك تباينات في وجهات النظر حول بعض المواضيع فهذا أمرٌ عاديّ يحصل دائماً حتى بين أبناء الصف الواحد. إلّا أنّ التشاور والتنسيق والتفاهم والتواصل كفيلةٌ بحلّ هذا التباين، إنّ وجِد.

الجسر

وتمنّى عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر الوصولَ إلى قانون انتخاب جديد في خلال اسبوعين، إلّا أنه أكّد أنّه لا يرى مؤشّرات قوية تنبئ بأنّنا سنكون جاهزين قبل السقف الزمني 15 نيسان، متمنّياً أن يكون مخطئاً في ذلك .

وأكّد الجسر لـ«الجمهورية» أنّ البلاد لا تحتمل الفراغ، وقال: «الفراغ في المجلس النيابي معناه فراغ على مستوى الحكومة وفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، الى آخره. ولم يَستبعد التمديد، و«في النهاية التمديد التقني أو تمديد الضرورة مجرّد تسميات، لكن من المؤكّد أنه لن يكون تمديداً لفترة طويلة، بل موَقّت، في انتظار التوصّل الى قانون انتخابي جديد».

ووصَف الجسر من جهة ثانية الاستعراضَ العسكري المسلّح في برج البراجنة منذ ايام بـ«الغلطة الكبيرة»، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر سيُطرح على طاولة اجتماع الحوار الثنائي بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» الذي سيَعقد جلسةً جديدة يوم الاثنين المقبل في 10 نيسان.

«الكتائب»

وقال مصدر كتائبي مسؤول لـ«الجمهورية» إنّ الحزب «يَحكم على الأفعال وليس على الاقوال، فالوعود والاقتراحات باتت بالعشرات لكنّ الجدّية مفقودة حتى الآن في التعاطي مع قانون الانتخاب، لأنّ المعايير الوحيدة المعتمدة هي ضمان المصالح الفئوية والحزبية الضيّقة لبعض الفرقاء وتغييبُ متطلّبات التمثيل الصحيح للّبنانيين».

وإذ استغرَب المصدر «عدمَ أخذِ الصيغة التي اتُّفِق عليها في بكركي بالاعتبار في أيّ مِن المشاريع الانتخابية المتداولة»، قال: «إنّ مشروع القانون القائم على النسبية مع ١٥ دائرة هو إحدى الصيغ التي اتّفَق عليها القادة الموارنة الأربعة برعاية البطريرك الراعي، فأين أصبَح هذا الاتفاق؟ ومَن تخلّى عنه؟ ولماذا»؟

كذلك استغرَب «كيف أنّ من يبحث عن صيغة قانون انتخاب توافقي على المستوى الوطني، ومن يبحث عن صيغة لقانون الانتخاب يصحّح التمثيلَ المسيحي ويضمن شموليتَه لا يأخذ في الاعتبار مشروعاً تمّ التوصّل إليه برعاية بكركي المعروفة بحِرصها على ضمان المصلحتين الوطنية والمسيحية في آن.

واعتبَر المصدر «أنّ مشروع النسبية مع الـ ١٥ دائرة يمكن ان يشكّل نقطة التقاء بين مختلف الطروحات، وتسوية مقبولة في هذه المرحلة بين من يريد النسبية في دائرة واحدة ومن يريد تمثيلاً نيابياً على اساس الدوائر الفردية والصغيرة».

وكان رئيس الحزب النائب سامي الجميّل قد اقترَح من بكركي تفعيلَ مشروع قانون النسبية على أساس الـ 15 دائرة انتخابية والسير فيه».

بونصّار لـ«الجمهورية»

على صعيد آخر، وبَعد التفجير الذي استهدف محطّة المترو في مدينة سان بطرسبورغ في روسيا أمس وسقوط عدد من الضحايا، أكّد سفير لبنان في روسيا شوقي بونصّار لـ«الجمهورية» أنّه «لم تَرِد للسفارةَ اللبنانية أيّ معلومة تشير الى إصابة لبنانيين في الإنفجار». وطمأن الى أنّ اللبنانيين في روسيا بخير وليس هناك أيّ ضحايا منهم.

وأكّد بو نصّار انّ العمل إرهابي، لكنّ السلطات الروسية لم تطلق أيّ اتهامات بشأن الجهة التي تقف وراءه، بل تضع كلّ الاحتمالات أمامها، لافتاً الى أنّ الإجراءات الأمنية تكثّفت في كلّ المدن الروسية وخصوصاً في موسكو تحسّباً لأيّ عملية إرهابية جديدة.