يزداد الضغط على النائب وليد جنبلاط. الجميع يريد محاصرته، وهو ينظر إلى مكان آخر. في الوقت الذي يتطلّع فيه إلى المستقبل بعد محطة 19 آذار، وتسليم تيمور مقاليد الزعامة، هناك من يريد فتح الدفاتر القديمة معه. وهناك من يرى نفسه في موقع القوة و"بإمكانه الإنتقام" من جنبلاط.
بعيداً من الإعلام، حملة كبيرة من الضغوط تقاد ضد جنبلاط، تبدأ بقانون الانتخاب وتمرّ بالضغط السياسي على وزرائه، ولا تنتهي عند الإشكالات المتنقلة التي تحصل في بعض المناطق.
المنزعجون من مشهد المختارة في يوم "الوفاء لكمال جنبلاط" كثر. وهؤلاء، يريدون إشاحة نظر جنبلاط عن الأيام المقبلة، وإعادته إلى الماضي، سواء في الماضي الأليم أيام الحرب، أو الماضي القريب أيام الإنقسام العمودي وحالات الإستفزاز. وهذا ما يرفضه جنبلاط مفضّلاً عدم الرد والتصريح، مكتفياً بالتغريد بين فينة وأخرى على موقع تويتر لإيصال الرسالة إلى من يجب أن تصله.
بالتزامن مع وصول الوزير مروان حمادة إلى شفير الإستقالة بفعل الضغط الممارس عليه، والضغط المستمر من جانب وزير الخارجية جبران باسيل في وضع قانون انتخابي يستهدف جنبلاط وتمثيله، ربطاً بما قاله باسيل يوماً بأنه سيحرم جنبلاط من تسمية نائب مسيحي واحد، بدأ الضغط يشتد على زعيم المختارة من أماكن أخرى، إذ يحاول البعض التلاعب ببعض أبناء الطائفة الدرزية لأجل إشاعة جوّ من عدم الإستقرار الجنبلاطي لدى الدروز، في محاولة للرد على ما قيل بعيد 19 آذار، بأن الدروز جددوا الولاء. وهذا ما يصفه جنبلاط بأنه دليل كبر ورفعة لدى أبناء الطائفة، ليكرر "ما بينوفوا الدروز".
رغم التطويق السريع للإشكال الذي حصل في الشويفات، صباح الأحد 2 نيسان، بين عناصر من الحزب التقدمي الإشتراكي وحزب الله على خلفية إزالة أحد الأعلام الحزبية، إلا أن البعض أراد له أن يتعاظم. لم يكن اختيار العلم سبباً للإشكال أمراً عبثياً. فمن عمل على افتعال الإشكال، وذهب إلى التعبئة والحقن في رؤوس بعض عناصر الإشتراكي، كان يرمي إلى "تكبير" الإشكال وللتذكير بمعركة العلم بين الإشتراكي وحركة أمل أيام الحرب الأهلية. وهو أراد ذلك للإشارة إلى أن العلاقة بين جنبلاط وحزب الله ليست على ما يرام.
حصل الإشكال بعد رفع عناصر من الإشتراكي علماً حزبياً بالقرب من مقر لحزب الله، ليأتي عناصر من حزب الله وينزلوه. فحصل تصارب بالأيدي، ليسارع جنبلاط إلى تلقف الأمر، والإتصال بكل من رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. وجرى العمل على معالجة ذيول الحادث، كما كان جنبلاط على إتصال مفتوح مع مسؤولي الأجهزة الأمنية في المنطقة. ولاحقاً، عقد اجتماع بين الطرفين لدى مخابرات الجيش في المنطقة لمعالجة الموضوع. وأكد الإشتراكي والديمقراطي في بيان أن ما جرى تسويقه أمر مضخّم. ما يعني أن هناك من يريد الإستثمار في الإشكال.
رسى الاختيار على الشويفات، نظراً للتنوع والاختلاط فيها، ولأن أي إشكال في المنطقة بين الإشتراكي وحزب الله سيذكر الناس بأحداث 7 أيار. بالتالي، فإن الإستنفار سيعود إلى نفوس الجميع. وهذا ما يعرف جنبلاط أهدافه. وقبل حادثة "العلم" بأربع وعشرين ساعة، كانت هناك حملة منظّمة ضد وكيل داخلية الشويفات في الحزب الإشتراكي مروان أبي فراج، والغاية منها استهداف الرجل في البيئة الدرزية عبر الإتهامات التي سيقت ضده.
هذه الحادثة إنعكاس تعرف المختارة أبعاده وتربطه بسلسلة أحداث أخرى، أبرزها بروز شخص يدعى سليم فخرالدين (تعتبر مصادر مطلعة أنه إسم مستعار) يوجه رسائل مكتوبة إلى جنبلاط ويدعي أنه عنصر سابق في جيش التحرير الشعبي. وساق عبر رسائله إتهامات تخوينية عديدة بحق جنبلاط، سواء سياسية وغير سياسية. واللافت هو ذهاب فخرالدين إلى اللعب على وتر دقيق بالنسبة إلى الدروز، لدى تناول جنبلاط بمسألة إيمانه، وينقل عنه قوله إنه لا يؤمن بالتقمص. وهذا الكلام إن دلّ على شيء، فعلى محاولة جديدة لاستهداف جنبلاط درزياً. ويتلاقى ذلك مع ما كان يقوله معارضو جنبلاط، بأن مشايخ الدروز لن يلتفّوا حول تيمور كما التفوا حوله. وتعود إثارة هذه المسألة الآن بعد منح المشايخ الولاء والشرعية الدرزية لتيمور في مهرجان المختارة.
هناك من ينطلق من وجهة نظر مفادها أن إضعاف جنبلاط لا يمكن أن يمر إلا عبر الدروز. هذه المحاولات خبرها جنبلاط جيداً في مختلف الفترات السابقة. وهذا ما يحاول البعض تكراره الآن، وهو لا ينفصل عن محاولات محاصرته والتضييق عليه، أو الإشارة له، بأنه إذا لم يسر بما يريده الآخرون له، فهناك بدائل منه في الطائفة الدرزية. هذه الرسالة وصلت، من خلال الزيارتين اللتين أجراهما كل من الوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود إلى بعبدا للقاء رئيس الجمهورية. كل الرسائل يقرأها جنبلاط بتمعّن، يجانب الردّ عليها، لكنه مؤخراً اكتفى بالتغريد: "وصلتنا الرسائل المتعددة ممن عاشوا وسكنوا وسرقوا وخانوا المختارة. القضية ليست أعلاماً بل لعبة مخابرات لإحداث فتنة". هذه الفتنة يريد جنبلاط درأها في الكل الوسائل، لكن المؤشرات السياسية لا توحي بإمكانية الهدوء، وعليه فإن المواجهة مؤجلة.