وفي حديث لصحيفة "الإقتصادية" قال المحلل المصرفي دريك مان "إن داعش لا يمتلك منظومة اقتصادية بالمعايير الحديثة، حتى إن ادعى أن ميزانيته العامة تبلغ ملياري دولار، لكن لا يمكن النفي أنه أحدث تغيرات راديكالية في مفهوم وقدرات التنظيمات الإرهابية في النشاط الاقتصادي، وبمرور الوقت ومع تمدده امتلك موارد مالية ضخمة، تفوق القدرات المالية لتنظيم القاعدة الذي اعتمد على الدعم الخارجي من الأنصار والمؤيدين، في حين اعتمد "داعش" على التمويل الذاتي سواء من تهريب النفط وبيعه، أو فرضه ضرائب تحت مسميات مختلفة أو سرقة ونهب الآثار وبيعها أو الحصول على فدية من عمليات الاختطاف، أو القيام بعمليات غسل أموال واسعة النطاق، لكن امتلاك قدرات مالية يختلف تماما عن امتلاك قدرات اقتصادية، قادرة على الاستمرار والتطور". ويضيف دريك مان "حتى الآن لا توجد لدينا معرفة دقيقة بأطراف الشبكة المالية لـ "التنظيم"، أين كان "التنظيم" يودع أمواله، هل كان يقوم بإخفائها في المناطق التي يسيطر عليها، أم كان يضعها في مصارف خارجية تحت أسماء وهمية، أم يستثمرها في شركات وأسهم في بورصات العالم المختلفة عبر أشخاص يتعاطفون معه".
جني الأموال
وأكد أن "التنظيم" يفقد تدريجيا قدرته على جني مزيد من الأموال، خاصة مع خسارته كثيرا من مصادر التمويل، كما أن بعض الأشخاص الذين يستثمرون أموال "التنظيم" سرا في الخارج، قد يقطعون الآن علاقتهم به نتيجة خسائره الاقتصادية، ويستحوذون على تلك الأموال لأنفسهم"، مضيفا أن "علينا أن نتذكر دائما أن الخطوط الفاصلة بين الإرهاب والجريمة المنظمة تختفي في كثير من الأحيان". ويرى الدكتور جيمس دونالد أستاذ الاقتصاد الدولي، أن ما يعرف بتنظيم داعش، سينهار ماليا قبل أن يهزم عسكريا تماما، فالوضع المالي لـ "التنظيم" ونتيجة الضربات العسكرية المتلاحقة والقوية بات على حافة الانهيار التام، وجزء كبير من أعضاء "داعش" ومقاتليه لا يتلقون رواتبهم الآن، كما أن العمليات العسكرية الأمريكية النوعية ضد قادة "التنظيم"، أدت إلى مقتل عدد من كبار القادة المسؤولين على الجانب المالي.
ويشير دونالد في هذا السياق إلى نقطتين في غاية الأهمية، الأولى أن فقدان "التنظيم" أحد قادته المسؤولين عن إدارة شؤونه المالية أمر ستكون له تبعات شديدة الخطورة على الجانب الاقتصادي والمالي لـ "التنظيم" ككل، فهؤلاء القادة غالبا ما ينسجون بشكل شخصي جدا، مجموعة من الشبكات المالية الخاصة بهم، يستخدمونها لخدمة "التنظيم"، ولكن لا يعرف غالبا تفاصيلها وطبيعة الأشخاص المتورطين فيها غيرهم، فمثلا في مجال تهريب الآثار، يكون المسؤول المالي في "داعش" على علاقة مباشرة بمهربي الآثار، وبمقتل المسؤول المالي فإن الخيوط تنقطع في الغالب مع المهربين، ويتطلب الأمر فترة من الوقت لإعادة نسج علاقات جديدة مع المسؤول الجديد. وذكر دونالد أن النقطة الثانية هي أنه في كثير من الأحيان يعني مقتل المسؤولين الماليين ضياع جزء من أموال "التنظيم"، التي لا يعرف أين تم إيداعها غير هذا المسؤول، وهذا يؤدي الى تآكل القدرة المالية لـ "داعش".
الإنهزام المالي قبل العسكري
ويرصد فابي واتر المحلل المالي أحد الجوانب التي تؤشر إلى أن ما نجح "التنظيم" في إقامته من لبنات اقتصادية خلال السنوات الماضية انهار بشكل فعلي وحتى قبل أن يعلن هزيمته عسكريا بشكل تام.
وأوضح لصحيفة "الاقتصادية" أن أحد أبرز ما اعتبره "داعش" وأنصاره إنجازا اقتصاديا لهم، هو ما عرف بدينار الخلافة، الذي ادعى "التنظيم" صكه من الذهب الخالص، تحت مبرر أن ذلك سيمكنه من التحرر الاقتصادي مما وصفه بهيمنة الدولار. وتابع واتر "ما لم يدركه "التنظيم" أن الأمر لا يقف عند حدود إصدار عملة، فلا بد أن يكون لديك اقتصاد راسخ ومؤثر في الاقتصاد الدولي، للقبول بتلك العملة، وهذا ما لم يكن أبدا لـ "التنظيم" في يوم من الأيام، ويبدو الفشل الاقتصادي لـ "التنظيم" واهتراء منظومته الاقتصادية الداخلية في الوقت الراهن، لأنه يدفع رواتب عناصره المقاتلة بالدولار، ويفرض الغرامات على السكان الخاضعين لسيطرته بالدولار، ويقبل الفدية لإطلاق سراح المخطوفين بالدولار، ويحصل ثمن النفط المهرب والآثار المنهوبة بالدولار أيضا".
وأكد واتر أن هذا يعني إقرار قادة "التنظيم" بأن العملة الداعشية التي تمثل عمودا أساسيا من أعمدة أي اقتصاد قد باءت بالفشل، ومع هذا فإن البعض يشير إلى أن القدرة الاقتصادية لـ "التنظيم"، مكنته من مواصلة عملياته الإرهابية وتوسيع نطاقها، لكن انهيار تلك القدرة وتآكلها لا يعني أن "التنظيم" لن يكون قادرا على الاستمرار في أنشطته الإرهابية مستقبلا.
توقف القدرات الإقتصادية
من جهتها، تقول لـ"الاقتصادية" الدكتورة فيونا مارتين أستاذة الاقتصاد المقارن "إنه وفقا لعديد من المؤشرات فإن معظم القدرات الاقتصادية لـ "التنظيم" توقفت تماما، فالعوائد المالية التي يحصل عليها من آبار النفط لم يعد لها وجود، ولم تعد بندا يضيف إلى ميزانية "التنظيم"، كما أن بعض الموارد الأخرى تقلصت مثل الأموال التي كان يجبيها من السكان، وذلك بعد تراجع أعداد السكان الذين كانوا يخضعون لرحمته، لكن هذا لا يجب أن يجعلنا نستهين بالقدرات المالية التي يتمتع بها "التنظيم"، فخلال السنوات الماضية حقق أرباحا بالملايين من أنشطة إجرامية وغير شرعية تضمنت النهب والسرقة".
وتضيف مارتين أنه "لا توجد مساءلة أو شفافية داخل "التنظيم" أو معرفة تفصيلية بشأن الأموال المتحصلة والمنفقة، وبالتالي فمن المرجح أن تكون أموال "التنظيم" موضوعة في حسابات سرية غير معروفة بأسماء أشخاص وهميين، وباستثناء مجموعة صغيرة للغاية بداخل "التنظيم" تعرف تفاصيل تلك الحسابات".
وتشير مارتين إلى أنه في الغالب إذا استطاع هؤلاء القادة النجاة، ولم يقتلوا خلال العمليات العسكرية، فإنهم قد يستخدمون تلك الأموال لتمويل أنشطة إرهابية مستقبلية حتى بعد هزيمة "داعش"، ولهذا يمكن القول "إن هزيمة "داعش" العسكرية لا تعني أن القضاء عليه قد اكتمل، إذ سيتواصل القتال ضده على الجبهة الاقتصادية، لتجفيف كافة المنابع المالية التي قد تحيي "التنظيم" في شكل آخر".
(إيلاف)