إلا أن الفشل الدائم كان نهاية دور كل من هؤلاء القادة العظماء العدول الكاملين، وذلك بسبب رفض نفس هذه المجتمعات لما طرحه أولئك القادة وليس بسبب تدخلات خارجية من أمم أخرى !!
إقرأ أيضا : أزمة اللغة في محنة الفكر والحوار
الواقع اليوم كما الأمس، هذه الكتلة البشرية التي تعيش في هذه المنطقة لا زالت تعيش نفس العقلية القديمة تجاه دعوات المصلحين المخلصين الذين يمتلكون كفاءة كبيرة في إدارة شؤونهم، لكن مع فارق بسيط، وهو هذه الكتلة البشرية باتت تحمل مسؤولية الفشل والحياة البائسة التي تعيشها لأنظمتها وقادتها .
وقد تناست هذه الشعوب أنهم كما يكونوا يولى عليهم، وأن آبائهم قد عاشوا نفس هذه الحياة المريرة بعدما رفضوا الإستماع لدعوة قادة ربانيين أكفاء مخلصين ومتفانين، قد أفنوا أعمارهم في خدمة أهل هذه المنطقة، ولم يكن رد الناس عليهم إلا القتل والتشريد لهم ولعوائلهم، وفي أحسن الأحوال كانوا يردون عليهم بالنفور والهجران !!
إقرأ أيضا : الإستثمار في الحوار وفي الإنسان
ما يتراءى لنا اليوم من أن مشكلة الشعوب -التي تسكن هذه المنطقة والتي باتت كلها عربية- هي مشكلة الحكام والأنظمة، إنما هو أمر يجافي الحقيقة التاريخية التي تثبت أن مشكلة هذه المنطقة هي مشكلة عقلية ونفسية شعوبها أنفسهم وليس مشكلة حكام ظالمين، فهؤلاء الحكام ما كانوا ليحكموا لولا أن الناس يستحقون هكذا نوع من الحكام .
فالحاكم هو صورة تعكس واقع مجتمعه، وما دام المجتمع نفسه ظالما لنفسه، فلا يمكن أن نتوقع أن يتصرف معه حكامه بعدل . فحكامنا لم يأتوا بجيوش من أمم أخرى ليسلطوا بها علينا في هذه المنطقة، بل هم يحكموننا بجيوش من نفس مجتمعاتنا وشبابها ورجالها .
إقرأ أيضا : نستهلك ما صنعه الغرب ثمَّ نلعنهم !!!
والحقيقة أن رفض أجدادنا على مدى آلاف السنين لما قدمه أولئك القادة الصالحون الأكفاء من قوانين رائعة وتحاكي كل تفاصيل حياتنا، هو ما أوصلنا إلى هنا وجعل حكامنا حكاما ظلمة كانعكاس لخياراتنا وخيارات آبائنا وأجدادنا في الحياة .
وقد نبه أولئك القادة الحكماء آبائنا على الدوام من خطورة رفضهم لما يدعونهم إليه من حياة عادلة يعيش فيها الكل سواسية تحت قوانين الإنسانية ومقتضياتها وبكل تفرعاتها، إلا أن رفض أولئك الآباء والأجداد لأولئك القادة وللخير الذي جاؤوا به قد أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من بؤس عظيم على كل مستوى، حتى بات مطلبنا الأعظم هو القائد العادل، بعد أن كان آباؤنا وأجدادنا قد أداروا ظهورهم لقادة كهؤلاء، وتوهموا بأنهم يستطيعون أن يعيشوا حياة كريمة وهادئة من دون الحاجة لفكر وعلم أولئك العظماء الذين من الله تعالى بهم عليهم فأرسلهم إليهم، فمكروا بهم وقتلوهم وشردوهم، فظلموا بذلك أنفسهم وأورثونا ظلما عظيما لأنفسنا !!
والأنصاف يفرض علي أن أقول التالي : أنا لا أشك أن هناك قيادات في هذه المنطقة كانت قد عزمت على أن تحكم شعبها بالعدل والآحسان، إلا أنها لمست أن ممارستها للسلطة بهذه القيم الجميلة مع هكذا نوع من البشر هو تصرف في غير محله، والخير مع غير أهله هو شر، كالشر مع مستحقي الخير . ولا أشك أن هذه القيادات قد راجعت تاريخ أهل هذه المنطقة مع قادتهم العدول المضحين وكيف فعلوا بهم الأفاعيل، فوجدوهم شعوبا تستحقر من يحترمها وتحترم من يستحقرها !!
إقرأ أيضا : دعوى ضد القدر
ومن هنا كانت القاعدة الإلهية الحكيمة : {لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} ثم حكمت هذه الحكمة نفسها عليهم بأنهم {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} . وأنا من خلال تجاربي الطويلة والعميقة مع هذه الشعوب التي تعيش في هذه المنطقة قد اقتنعت أنها كما سبق وذكرت، تستحقر من يحترمها وتحترم من يستحقرها، إلا ما رحم ربي .
لن يصلح الحكام ما داموا يرون أنهم يحكمون شعبا يتلذذ بالعبودية للمخلوق مع ان الخالق قد خلقهم أحرارا، فيتوضئون بالذل ويتوجهون بصلاتهم لكعبة أهوائهم وأهواء حكامهم الذين لا يحترمونهم أساسا .
لن يصلح حالنا هذا إلا إذا عرفنا أن للحياة العزيزة والسعيدة قوانين لا بد من العمل بها، وتبدأ هذه القوانين بأن ندرك إنسانية بعضنا البعض، فنتوقف عن ظلم بعضنا، فيتوقف السلطان حتى عن التجرؤ على التفكير بظلمنا .
إقرأ أيضا : العقلية الحزبية .. والقفل الذي ضاع مفتاحه !
ومن أجمل ما وجدته في بعض الروايات، وهو يختصر كل ما ذكرته عن جنايات أجدادنا بحق قادتهم الربانيين، وبالتالي بحق أنفسهم ثم بحقنا، هو أن شعوب هذه المنطقة وبعد تجاربهم وتجارب آبائهم السيئة بحق القادة الصالحين المخلصين الربانيين وتكبرهم عليهم ورفضهم لهم لآلاف السنين، فإنهم سوف يستسلمون للحقيقة بكل مذاهبهم ومعتقداتهم وأهوائهم التي أثبتت أنها لم تجر عليهم إلا أمواجا عاتية من العناء والشقاء، وكاعتراف منهم على قبح ما قدمت أيديهم وأيدي وأجدادهم وعجزهم عن الإستمرار بعقلية التمرد على قوانين الحياة السعيدة التي جاء بها أولئك القادة الأكفاء المخلصون والتي لا تستقيم الحياة إلا بها، ف (يطلب الناس المهدي) !!