حطّ أحد الأجانب في بيروت، بعد طول غياب، وهو يحمل في ذاكرته أشياء عن لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط، غير تلك التي شاهدها منذ اللحظة الأولى التي وطأت قدماه أرض مطار بيروت الدولي، وهو لايحمل من هذا اللقب سوى الإسم.
ولأن لهذا الأجنبي الآتي من عاصمة الأناقة، باريس، أكثر من صديق لبناني، وهو على رغم عدم مجيئه إلى لبنان منذ فترة طويلة، بقي على علاقة طيبة بأصدقائه اللبنانيين، الذين توافد بعض منهم لملاقاته على المطار.
ومن بين الأشياء الكثيرة التي لفتته في المدينة التي يحب، كيف تُعرض عليه المساعدة في قلب المطار لتحميل حقائبه وجرّها من قبل عمّال التحميل في المطار، وهو أمر إستثنائي لم يسبق له أن شاهده في أي مطار آخر، فضلًا عن تسابق سائقي التاكسي خارج حرم المطار: "تاكسي موسيو". "بيان فونو". "ولكوم تو ليبانون".
ولم يكد يلتقي بأصدقائه الذين كانوا في انتظاره حتى كاد يختنق من شدة العناق والقبلات بالجملة والمفرق.
لم يتوقف استغراب صاحبنا عند هذه الحدود بل رافقه على طول الطريق، حيث شاهد مناظر لم يشهدها من قبل، بدءًا بالصور والإعلانات العشوائية التي "تزين" طريق المطار وصولًا إلى الفندق النازل به في منطقة جونيه.
ومن بديهيات أسئلته لأصحابه: هل هي طريقتكم الوحيدة في قيادة السيارات؟ ومن بين أغرب أسئلته: هل الخطوط الموجودة على الطرقات هي فقط للزينة ومجرد ديكور؟ ولماذا لا تسير السيارت ضمن هذه الخطوط، ولماذا يتمّ تجاوزها، فتصبح صفوف السيارات على الأوتوستراد سبعة بدلًا من أن تكون أربعة؟
ولماذا يتم تجاوز السيارات يمينًا وشمالًا، من دون إستخدام إشارة المرور.
فاسئلة صاحبنا جاءت وكأن طارحها يأتي من المريخ، وهي أسئلة قابلها أصحابنا بإستغراب على الإستغراب، وكأنهم لم يزوروا قبلًا بلدانًا تُحترم فيها قوانين السير والإشارات الضوئية والتزام كل سيارة بالخط المرسوم لها.
وبعفوية الواثق أقترح صاحبنا على اصحابه حلًا لأزمة السير، بعدما استغرقت الرحلة من المطار إلى جونيه الوقت نفسه تقريبًا التي استغرقته رحلته من باريس إلى بيروت.
ما هو اقتراح صاحبنا؟
لو سارت كل سيارة في الخط المرسوم لها، من دون هذا التجاوز العشوائي والفوضوي لأنتظم السير ولما كان كل هذا الإزدحام. المشكلة عندكم في لبنان هي أن كل واحد يريد أن يصل إلى المكان الذي يقصده قبل غيره.
ردّة فعل أصحابنا: "بعد ما شفت شي. وبكرا بتتعود".