إذا ما صَدق رهان بعض المستويات السياسية على نيسان بأنّه شهر الحلول الانتخابية والمطلبية، فإنّ الملف الانتخابي يفترض أن يدخل اعتباراً من اليوم، مرحلة العدّ التنازلي لولادة القانون، وخلال مهلة لا تزيد عن أسبوعين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سلسلة الرتب والرواتب التي تُحاط بتأكيدات سياسية بأنّها ستُقرّ في المجلس النيابي قبل نهاية الشهر الجاري، بمعزل عن كلفتها التي تغطّيها وارداتٌ يُفترض أن تؤمّنها الحكومة من مصادرها وليس من جيوب الناس، كونها، أي الحكومة، هي وحدها المسؤولة عن هذا الأمر وليس المجلس.
لم يَحمل المشهد الداخلي في الساعات الأخيرة أيّ تطوّر نوعي، وخصوصاً على الصعيد الانتخابي، بل ظلّ صورةً مستنسَخة عن الماضي من الأيام بكلّ التعقيدات التي استنزَفت أشهراً من النقاش الفارغ والدوران في الحلقة المفرغة، وهذا ما يَجعل من رهان التسويات السياسية على نيسان ضعيفاً، ومكمنُ الضعف أنّه يأتي في سياق تمنّيات أكثر ممّا هو مبنيّ على امتلاك معطيات جدّية تؤشّر إلى ولادة ممكنة للقانون الانتخابي، خصوصاً أنّ أياً من هؤلاء المراهنين لا يملكون رسمَ ولو صورةٍ تقريبية عن شكل القانون الذي يراهنون على ولادته، ولا حول تقسيماته ولا حول نوعه، سواءٌ أكان أكثرياً بالكامل أو نسبياً بالكامل، أو مزاوجاً بين النظامين الأكثري والنسبي وأيّ نظام هو الغالب في القانون؟

هذه الصورة السلبية انتخابياً، بالتأكيد أنّها لا تزول بالرهانات الكلامية ولا بالتمنيات التي تنمّ عن عجز، بل يُفترض أن تقترن في نيسان بما يَقلبها إلى المنحى الإيجابي، وهنا المسؤولية مشتركة ومتساوية بين الأطراف السياسيين، على حدّ تعبير مرجع سياسي على تماس مباشر مع المطبخ الانتخابي، والذي قال لـ«الجمهورية»: نتيجة المقاربات الانتخابية التي جرت على مدى الأشهر الماضية دلّت أنّنا استَنفَدنا كلَّ السبل، وكانت هناك استفاضة عشوائية في طرح الصيَغ الانتخابية التي تَلاطمت مع بعضها البعض من دون أن تبرز فيها نقاط تلاقٍ أو تقاطُع، وبناءً على هذه النتيجة يجب علينا الإقرار بأنّه إن كانت نيّاتنا صادقة في الوصول إلى قانون، فلم يعُد أمامنا سوى سبيل وحيد هو الأقرب لبلوغ هذا القانون، وهو ولوج باب التنازلات المتبادلة، وبالتالي جعلُ نيسان «شهر التنازلات» من الجميع لصالح القانون.

يُستنتَج من كلام المرجع السياسي أنّ الملفّ الانتخابي ما زال في المربّعات الأولى التي سُجّل فيها فشل اللجنة الرباعية في بناء أرضية توافقية للقانون، وكذلك فشلُ الصيَغ التي جاءت على شاكلة «عزف منفرد» من بعض الأطراف على أوتار انتخابية لم يشاركه فيها أيّ من الأطراف الاخرى.

وتبعاً لذلك، فإنّ العيون السياسية كلّها شاخصة منذ الآن على ما يمكن أن تبادرَ إليه الحكومة حيال الملف الانتخابي وما يمكن أن تَحيكه على صعيد التقسيمات وشكل القانون، وسط معلومات عن أنّ المشاورات السياسية بين الأطراف الرئيسية الممثّلة بالحكومة أفضَت إلى نوع من التفاهم على أن تتصدّى الحكومة كحكومة لهذا الملف، على أن تعقد جلسات انتخابية متتالية في وقتٍ قريب لصوغ القانون.

وفيما تتحدّث مستويات سياسية عن ليونةٍ أبداها رئيس الحكومة سعد الحريري حيال مقاربة الحكومة للملف الانتخابي، نُقِل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري قوله إنّ الأسبوعين المقبلين يُفترض أن يكونا حاسمين انتخابياً، وللحكومة الدور الأساس في هذا الحسم. في حين تعكس أجواء بعبدا إصرارَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على بلوغ قانون انتخابي قريباً.

وهنا قالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»: إنّ الجميع صاروا في جوّ، أنّ غاية رئيس الجمهورية هي تحقيق قانون انتخابي بمعايير العدالة والتمثيل الصحيح في أقرب وقت ممكن يكون بمثابة إنجاز للبلد، وأهمّ ما فيه أن يكون قانوناً ثابتاً ودائماً تعتمده الأجيال المقبلة، وليس قانوناً «موَقّتاً» لدورة انتخابية واحدة .

وبحسب المصادر، فإنّ الأطراف السياسية الأساسية، باتت تقف على حقيقة أنّ «لحظة الحقيقة الانتخابية» قد حانت، وأنّ البلد «داخ» من كثرةِ اللفّ والدوران.

وتبعاً لذلك، فإنّ «فكرتَين جدّيتين» طرِحتا في «حلقة سياسية ضيّقة» قبل وقتٍ قصير جداً، تقول الأولى بضرورة الذهاب إلى «عملية قيصرية» تنتزع القانون الانتخابي انتزاعاً من قلبِ التناقضات الحادّة، إلّا أنّ السؤال الذي أحاطَ هذه الفكرة بَحث عن كيفية إجراء هذه العملية ومكانها.

وأمّا الثانية، فصُنِّفت كاحتمال قوي وآخِر الدواء، وتقول بعقدِ «قمّة سياسية» تجمع قادة الصفّ السياسي الأوّل، وتُشكّل قوّةَ الدفع الأساسية لبلوغ قانون في القريب العاجل».

«الحزب» في بعبدا

على صعيدٍ سياسي آخر، سُجّلت ما بعد عودة عون من القمّة العربية اتّصالات عدة ما بين عين التينة وبعبدا، وبَرز فيه التقييم العالي لموقف لبنان الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية في مؤتمر القمّة. وكذلك ما بين قيادة «حزب الله» والقصر الجمهوري التي عبّرت عن بالغِ تقديرها لموقفه.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الحزب قرّر إيفاد وفدٍ رفيع المستوى إلى بعبدا للقاء عون ونقلِ تحيّات الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، وتوجيه الشكر والتقدير المباشر له على الموقف الذي عبَّر عنه «والذي يعبّر بدوره عن كلّ اللبنانيين». وفي هذا السياق تَردَّد أنّ تواصُلاً هاتفياً تمَّ بين عون والسيّد نصرالله، إلّا أنّه لم يصدر أيّ تأكيد حياله من الجانبين.

وقالت أوساط قريبة من قيادة الحزب لـ«الجمهورية» إنّ «الحزب ثمَّن عالياً موقفَ رئيس الجمهورية، الذي هو نوع من الوثيقة التاريخية على مستوى الصراحةِ، ومحاولةِ الإضاءة على الجرح العربي الذي تَسبَّب به العربُ أنفسُهم، فهو قدّم صورةً عن لبنان الساعي إلى العلاج، بوصفِه منطقةً مستقرّة في منطقة متوتّرة ومتفجّرة، وقدّمَ صورةً عن لبنان الدور وليس لبنان الساحة التي كانت تارةً ساحة حروب اللبنانيين بين بعضهم البعض وكذلك حروب الآخرين على أرضه، وذلك من خلال طرحِه أن يكون وسيطاً بين الدول العربية لمحاولة إطفاءِ النار وبلسمةِ الجروح.

وهذا تطوّرٌ كبير جداً في الخطاب السياسي اللبناني، الذي كان تارةً يقول بقوّة لبنان بضعفه وتارةً أخرى يقول بالنأيِ بالنفس، وها هو الآن جاء ليقول إنّ لبنان هو لبنان، يَملك الدور الذي يمكن أن يُؤَدَّى لإعادة مدِّ الجسور بين العرب وفتحِ القنوات في قلب العالم العربي».

موقفُ قيادة «حزب الله» هذا يَرتكز أيضاً على امتعاض كلّي لديها من الرسالة الخماسية التي أرسَل بها الرؤساء السابقون إلى القمّة. وإذا كان الحزب قد اتّخَذ قراراً بعدم مقاربةِ هذه الرسالة بمواقف علنية، فإنّ أجواءَه عكسَت ما هو أبعدُ من استياء، وتفيد بأنّ الحزب اعتبَر «أنّ الرسالة تُشبه إلى حدّ كبير الاجتماعَ الذي عقِد في السفارة الأميركية في عوكر أثناء حرب تمّوز 2006 بين بعض القيادات اللبنانية ووزيرةِ الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، حينما كانت أميركا تسعى إلى وقفِ الحرب، فيما بعض تلك القيادات كان متحمّساً لاستمرارها».

كما قرأ الحزب في ثنايا الرسالة أنّها «تنطوي على دعوةٍ واضحة من قبَل مرسِليها مفادُها أنه إذا كان من بين العرب من يفكّر بمواصلة العقوبات والضغط على «حزب الله»، أو وضعِه على لائحة الإرهاب، فليستمرّ في ذلك».

وبحسب هذه الأجواء، فإنّ الحزب اعتبَر «أنّ الرسالة بقدر ما هي موجّهة ضدّه، هي موجّهة أيضاً ضد رئيس الجمهورية، إلّا أنّ المضحك المبكي أنّ تلك الرسالة أشارت إلى ما سمَّوه السلاحَ غير الشرعي، فلنُسلّم جدلاً، فأحدُ الخمسة خدمَ قائداً للجيش 9 سنوات وكان رئيساً للجمهورية لسِتِّ سنوات، ألم يرَ السلاح غير الشرعي إلّا الآن؟ وآخَر صار رئيساً للحكومة تحت غطاءِ السلاح غير الشرعي، وأحدُهم أيضاً لولا السلاح غير الشرعي لَما أتى أصلاً إلى رئاسة الحكومة».

الإجتماع الأمني

أمنياً، ناقشَ المجتمعون في خلال الاجتماع الأمني الذي عُقد في بعبدا، بعضَ ما سمّيَ من مظاهر الخَلل على بعض المعابر، ولا سيّما في المطار، جرّاء التنافس بين الأجهزة الأمنية على أكثر من مستوى إداري وأمني.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الاجتماع ناقشَ بعضاً مِن هذه الحوادث التي لا يمكن أو يجوز أن تتكرّر نتيجة تجاوُز حدّ السلطة من بعض العناصر ومنعاً لانعكاساتها السلبية على الوضع الأمني والترتيبات الشاملة المقرّرة في المطار، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تتربّص فيها الدول الكبرى بالإجراءات الأمنية المتّخَذة في المطارات في إطار حربها على الإرهاب، والتي لم ولن يكون آخرها الإجراء البريطاني بشأن الـ»آي باد» وأجهزة الألواح الذكية.

وعلمت «الجمهورية» أنّ عون أوصى في اللقاء ببدءِ التحضير لترتيبات أمنية توحّد الإمرة إلى أبعد الحدود على المعابر البرّية والبحرية، على غرار التجربة التي يعيشها جهاز أمن المطار الذي يتولّى التنسيقَ بين مختلف القوى المتواجدة في المطار رغم الحاجة إلى سدّ بعض الثغرات الأمنية.

جلسة المناقشة

على صعيدٍ آخر، يبدو أنّ التحضيرات المجلسية اكتملت لعقدِ جلسة المناقشة العامة للحكومة، والتي ستُعقد الخميس في السادس من نيسان الجاري، وفيما بدأت دوائر المجلس النيابي من اليوم بتلقّي طلبات نيابية بتسجيل أسمائهم طلباً للكلام في الجلسة المنقولة مباشرةً على الهواء بجولتَيها النهارية والمسائية.

قالت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّ استعداد الحكومة ورئيسها سعد الحريري لجلسة المناقشة العامة هو استعداد جيّد جداً» مشيرةً إلى أنّ الحكومة «تقوم بعمل ممتاز، وهي تعمل بشفافية وبشكل علنيّ، وليس عندها أيّ مشكلة».

لا «سلسلة»... وأعباء جديدة

إقتصادياً ومطلبياً، يُنتظر أن تحيلَ الحكومة مشروع الموازنة العامة إلى المجلس النيابي في الأيام القليلة المقبلة، في وقتٍ ظلّت علامات الاستفهام تحوط بمصير سلسلة الرتب والرواتب، خصوصاً وأنّ هناك تساؤلات تُثار حول سبلِ التغطية والكلفة والنفقات. ولعلّ أبرزها: هل تمَّ احتساب نفقات السلسلة في مشروع قانون موازنة 2017، التي أقرّتها الحكومة أخيراً؟

الإجابة عن السؤال كانت ملتبسة على المواطنين، ويبدو أنّ المسؤولين تعمَّدوا استخدامَ لغة الغموض البنّاء تحاشياً للغضب الشعبي، لكي يتّضح لاحقاً أنّ السلسلة غيرُ واردة في الموازنة، وبالتالي، الأمور تُراوح مكانها. وهذا يعني أن لا سلسلة من دون إيرادات جديدة، وأنّ مشروع الضرائب التي حرّكت الشارع قد يَطفو إلى السطح، عندما سيبدأ النقاش مجدّداً لإقرار السلسلة.

في موازاة هذا الملفّ الحياتي العالق، بَرز ملفّ آخر يرتبط برفعِ تعرفة الكهرباء. هذا البند وارد في خطة الكهرباء الطارئة التي أقرَّها مجلس الوزراء.

وإذا كان وزير الطاقة سيزار أبي خليل قد حاوَل التخفيفَ من وطأة القرار الذي لم يبدأ تطبيقه بعد، بالقول إنّ الفاتورة على المواطن ستتراجع على اعتبار أنّه سيتمّ الاستغناء عن المولّدات الخاصة، إلّا أنّ ذلك لن يتمّ سوى بعد سنوات، في حين أنّ زيادة التعرفة المقترحة ستبدأ قريباً مع زيادة ساعات التغذية. وهذا الوضع سيشكّل عبئاً حياتياً إضافياً على المواطن المسحوق اقتصادياً.