في وقت لا يزال حدث الزيارة الاستثنائية، شكلاً ومضموناً، التي قام بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى المملكة العربية السعودية متصدّراً شريط الاهتمام السياسي والإعلامي وسط سيل من التوقعات والاجتهادات الداخلية في سياق رصد مفاعيل هذه الزيارة وانعكاساتها الإيجابية على لبنان، لم تحتج طلائع نتائجها أكثر من 48 ساعة للظهور عملياً في ظل ما علمته «المستقبل» من أنّ أولى نتائج زيارة الحريري إلى الرياض ولقائه مع ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمثلت بالاتفاق على انعقاد «لجنة عليا» سعودية – لبنانية في الرياض مطلع أيار المقبل. 

وفي الغضون، يستكمل رئيس الحكومة الخطوات الرسمية اللازمة استعداداً للمشاركة في مؤتمر بروكسل للنازحين الأربعاء المقبل، ولهذه الغاية ترأس أمس اجتماعاً في السراي الحكومي بحث في سياسة الحكومة بشأن ملف النازحين السوريين تمهيداً لعرضها في المؤتمر، بحيث تخلل الاجتماع عرض للخطة الحكومية التي أعدها مجلس الإنماء والإعمار بشأن احتياجات لبنان على صعيد البنى التحتية. ولاحقاً كانت للحريري سلسلة مواقف بارزة في مقاربة ملف النزوح خلال لقاء مع وسائل الإعلام الأجنبية في بيروت، لفت فيها انتباه العالم إلى أنّ أزمة اللاجئين السوريين في لبنان بلغت «الذروة» بعدما أصبح لبنان «مخيماً كبيراً للاجئين وبات الوضع أكثر خطورة من أي وقت مضى خصوصاً على الصعيد الاجتماعي»، محذراً في هذا السياق من أنّ «التوتر» بين اللبنانيين والسوريين النازحين يمكن أن يتحوّل إلى «اضطرابات مدنية».

وإذ كشف أنّ رؤساء بلديات كان قد استقبلهم طلبوا منه «التوصل إلى وسيلة تسمح بترحيل اللاجئين إلى سوريا»، شدد الحريري في المقابل على أنّ حكومته لن تُقدم على أي خطوة من هذا النوع مطلقاً «لأننا نعرف المخاطر التي سيتعرض لها اللاجئون» في حال عودتهم قسراً إلى وطنهم، وأردف منبهاً بالقول: «نحن لا نريد اتخاذ قرارات كما فعلت بلدان أخرى فتحت أبوابها وتركت السوريين يذهبون إلى أوروبا (...) لا نريد أن نصل إلى هذا»، ليضيف في معرض إشارته إلى الورقة التي سيحملها لبنان إلى مؤتمر بروكسل: «سنقدّم برنامجاً على مدى خمس سنوات إلى سبع سنوات يلتزم بموجبه المجتمع الدولي دفع مبلغ من 10 آلاف إلى 12 ألف دولار عن كل لاجئ من خلال الاستثمار في البنى التحتية» في لبنان، مستعرضاً ثقل الضغوط على كاهل الدولة اللبنانية ومقدراتها بإشارته على سبيل المثال إلى أنّ تلامذة المدارس اللبنانية ارتفع عددهم من 200 ألف تلميذ إلى 450 ألفاً نتيجة أعداد التلامذة اللاجئين.

وأوضحت مصادر معنية بالتحضيرات اللبنانية الرسمية للمشاركة في مؤتمر بروكسل أنّ سياسة الحكومة تعتمد على «مقاربة جديدة» لمعالجة تداعيات أزمة النزوح السوري، وكشفت لـ«المستقبل» أنّ هذه المقاربة لم تعد تقتصر على مطالبة المجتمع الدولي بتقديم الدعم المالي لتغطية تكاليف غذاء وإيواء اللاجئين السوريين، إنما هي ترصد حلولاً إنمائية للتخفيف من أعباء النزوح عن المجتمع اللبناني المضيف وفي رأس أولية هذه الحلول تأتي مسألة المطالبة بمساعدة الدولة اللبنانية على تطوير بناها التحتية بعدما باتت عاجزة عن استيعاب وخدمة اللبنانيين والسوريين اللاجئين، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ ورقة لبنان تتضمن خططاً ومشاريع لتطوير البنى التحتية سيتم عرضها على مؤتمر بروكسل وتحتاج من الأسرة الدولية تقديم مساعدات وقروض ميسرة للبنان حتى يتمكن من تمويلها وتنفيذها.

كذلك، لفتت المصادر إلى أنّ سياسة الحكومة تجاه ملف النزوح ترتكز في بُعدها الآخر على مسؤولية المجتمع الدولي تجاه الدولة اللبنانية ووجوب مساعدتها في رفع أعباء النزوح وتداعياته البنيوية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية عنها، باعتبار أنّ لبنان هو أحد أهم دول الاعتدال في المنطقة وصموده واستقراره حاجة وطنية وإقليمية ودولية في إطار المعركة مع التطرف والإرهاب، سيّما وأنّ نموذج الاعتدال اللبناني نجح حتى الآن في مواجهته مع التطرف أمنياً وسياسياً وعلى كافة الصعد الوطنية، لكنّ استمرار نجاحه في هذه المواجهة أضحى مرهوناً بمدى الالتزام الدولي في مساندته ومساعدته على تحمّل الأعباء الملقاة على عاتقه نتيجة أزمة النزوح السوري.