لقاءاتٌ عدة جمعت عون بملوكٍ ورؤساء عرب، لعلّ أبرزها لقاءه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وهذا الأمر يعطي بريق أمل إضافياً لمستقبل العلاقات اللبنانية - الخليجية، من ثم كان الحدث الآخر مرافقة رئيس الحكومة سعد الحريري الملك سلمان الى الرياض.
بالاجمال، فإنّ مشهدية البحر الميت كانت إيجابية للبنان، خصوصاً مع الإجماع العربي على ورقة التضامن مع لبنان الصادرة عن القمة وما تضمّنتها من نقاط دعم جوهرية.
وفي قراءة لبند مهم من بنود ورقة التضامن، يرى المتابعون أنّ تأكيدَ العرب الصريح ضرورة الحفاظ على الصيغة اللبنانية الفريدة وإحترام المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، أمرٌ يعطي ضمانات جديدة للتركيبة اللبنانية التي إهتزت في مراحل عدة لكنها لم تقع. ويعتبر البعض أنّ هذا البند هو توقيع عربي بالإجماع على تحييد لبنان عن التجاذبات المذهبية في المنطقة والتقسيمات والفرز المطروحَين.
وترى أوساط مسيحية أنّ هذا البند يشكل أيضاً اعترافاً واضحاً وصريحاً من 20 دولة عربية ذات غالبية مسلمة، وبعد عودة الرئيس المسيحي الوحيد، بأهمية الحفاظ على الدور المسيحي الذي يشكل نموذجاً لمحاربة يهودية دولة إسرائيل من جهة، و«داعش» والإرهاب من جهة أخرى.
وفي قراءة سياسية لما حصل، فإنّ هذا البند يجدد «مبايعة» العرب لـ«اتفاق الطائف» الذي نص على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين واعتماد الديموقراطية التوافقية بدلاً من العددية، وسط الجدال على تركيبة النظام ودور كل طائفة فيها والتجاذب على الحصص.
وتبدي الأوساط المسيحية إرتياحها الى ورقة التضامن العربية، خصوصاً أنّ المسلمين العرب أيقنوا أهمية الحفاظ على لبنان وحماية الوجود المسيحي فيه، بعد تنامي ظاهرتي التطرف والإرهاب. وتدعو الجميع الى احترام مبدأ الشراكة في الحكم.
ويبقى السؤال الأهم، كيف سيُترجَم هذا الأمر داخلياً؟ وفي هذا الإطار، يدخل هذا البند عاملاً معنوياً في الكباش حول قانون الانتخاب على رغم أنه لا يحمل صفةً تنفيذية، وبالتالي سيستعمله المسيحيون سلاحاً سعياً الى تأمين المناصفة الحقيقية في مجلس النواب وإنتخاب نوابهم الذين منحهم إياهم «اتفاق الطائف».
والجدير ذكره أنّ الموقف العربي يلاقي مواقف غربية كثيرة تطالب بالحفاظ على الصيغة اللبنانية وحماية «الطائف» الذي سيشكّل حلّاً للأزمة السورية وأزمات المنطقة، ولعل أبرزها الموقف الأوروبي عموماً، والفرنسي والفاتيكاني خصوصاً.
وكل ذلك، يؤكّد أنّ المظلة الإقليمية والدولية الحامية للبنان ما زالت مستمرة وتشكل شبكة أمان، ما يفسّر بقاءَ الوضع اللبناني مستقراً، على رغم أنّ هذا الأمر لا يمنع بقاء اللعبة السياسية مفتوحة على مصراعيها ويحفظ حق الإختلاف بين جميع المكوّنات.
الى ذلك، يُطرح سؤال آخر وهو كيف يمكن للمسيحيين إستغلال هذه النقطة لمصلحتهم؟ وفي هذا السياق، يشدّد أكثر من طرف مسيحي على أنّ المسيحيين لا يريدون سلب حقوق غيرهم لكنهم يسعون الى إستعادة حقوقهم، وبالتالي يعطي إصرار العرب على احترام المناصفة مؤشراً الى أنه لا يمكن اللعب في النظام اللبناني ولا الذهاب الى مؤتمر تأسيسي أو تطبيق المثالثة لأنّ الشرق والغرب متمسّكان بالصيغة اللبنانية، كذلك ليست هناك أيّ نية شرقية أوغربية للمسّ بالدور المسيحي.
شكّل لقاءُ الخيمة الشهير بين الرئيسين الراحلين اللبناني فؤاد شهاب والمصري جمال عبد الناصر على الحدود اللبنانية ـ السورية عام 1958 منطلقاً وتسويةً حَكَم فيها شهاب لبنان على مدى 6 سنوات وأدى الى تراجع المسلمين عن المطالبة بالوحدة العربية بعد صعود التيار الناصري وقيام الوحدة بين مصر وسوريا برئاسة عبد الناصر.
وعلى رغم أنّ الظروف الحالية مغايرة لتلك المرحلة، لكنّ عدم وجود راعٍ عربي أو إقليمي لأيّ تغيير لموازين القوى الداخلية يجعل البعض يراجع حساباته وينسى المؤتمر التأسيسي الذي رُمي في البحر الميت، على أمل أن يقضي عليه الملح لا أن يطفو بعد وقت على السطح. مع الإشارة الى أنّ الصيغة اللبنانية تكبّل تحرّكات أيّ طرف ومطالبه مهما كبر حجمه وظنّ أنه تخطى حدود الوطن.