يقفل شهر آذار على إنجاز الموازنة في مجلس الوزراء، والتحفز لتمديد تقني للمجلس النيابي قبل انتهاء 80 يوماً، وهو العمر المتبقي من ولاية المجلس النيابي، وسط حث نيابي ورسمي للكتل والتيارات والأحزاب على التوصّل إلى صيغة لا تعترض عليها مكونات أساسية لقانون جديد للانتخاب، يتزامن مع التئام المجلس في شهر نيسان للتمديد، خشية الوقوع في الفراغ لأي اعتبار كان.
على ان الأهم ان «قمة تلطيف الأجواء» العربية والإقليمية هبت رياحها الملطفة إيجاباً على الوضع اللبناني على اكثر من صعيد:
1- دعوة الرئيس ميشال عون من عمان وهو أكثر ارتياحاً ما اعتبر بأنه «تطبيع شبه كامل لعلاقات لبنان العربية»، فضلاً عن الصدى الطيب لقرار قمّة عمان حول لبنان الذي نشرته «اللواء» كاملاً أمس، والذي من شأنه ان يرخي ذيولاً من الانفراج عن علاقات لبنان العربية، ولا سيما مع دول الخليج.
2- عودة الرئيس سعد الحريري من المملكة العربية السعودية بعد اجتماع عقده امس مع ولي ولي العهد في المملكة الأمير محمّد بن سلمان، والذي عقد في مكتب الأمير في الرياض وجرى خلاله استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين ومستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس).
وكان الرئيس الحريري غادر الرياض أمس، التي كان وصلها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على متن الطائرة الملكية التي اقلتهما من عمان إلى العاصمة السعودية، في لفتة استأثرت باهتمام لبناني واسع وعربي أيضاً، وفتحت الباب لمعالجة ذيول كانت عالقة في السنتين الماضيتين.
ولاحظت وكالة «فرانس برس» ان زيارة الرئيس الحريري الرسمية، وهي الأولى من نوعها، منذ تسميته رئيساً للحكومة ونيل حكومته الثقة، أكدت التبدل الإيجابي في العلاقات بين الرياض وبيروت بعد فترة من الفتور، بدأ هذا التبدل مع استقبال المملكة الرئيس عون، ثم في متابعة ما حدث في القمة، من خلال إيفاد وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج في وزارة الخارجية تامر السبهان إلى بيروت قبل نحو من شهرين، والذي كان أمس في وداع الرئيس الحريري في مطار الملك خالد الدولي مع عدد من المسؤولين السعوديين.
وبدا الرئيس الحريري مرتاحاً لنتائج زيارته للمملكة، وهو عاد لمواصلة التحضير لصيغة قانون الانتخاب والتشاور مع الرئيسين عون ونبيه برّي في ما خص الاجندات الملحة، سواء على صعيد عمل الحكومة أو مجلس النواب أو قانون الانتخاب.
وسيوقع الرئيس الحريري اليوم مشروع قانون الموازنة مقترناً بتوقيع وزير المال علي حسن خليل، على ان يرفعه إلى رئاسة الجمهورية لتوقيعه من قبل الرئيس عون قبل احالته على المجلس النيابي لبدء درسه مجدداً في اللجان النيابية المختصة.
وخلافاً لما كان يتوقع، جاءت عودة الرئيس الحريري، نظراً لضغط المواضيع اللبنانية، لا سيما وانه سيكون في الأسبوع المقبل خارج لبنان، نظراً لارتباطاته بمواعيد في ثلاث عواصم اوروبية:
الاثنين سيكون في باريس في 3 نيسان المقبل للقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي سيمنحه وساماً فرنسياً.
يوم الثلاثاء سيتوجه إلى برلين للقاء المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، على ان يتوجه الأربعاء في 5 الشهر المقبل إلى بروكسل يترأس وفد لبنان إلى مؤتمر الدول المانحة للنازحين السوريين.
وكشف مصدر وزاري ان انشغالات الأسبوع الأوّل من نيسان ستحول دون انعقاد مجلس الوزراء، كما انها ستؤخر موعد جلسة مناقشة الحكومة التي يطمح إليها الرئيس برّي، واتفق على الدعوة إليها في اجتماع هيئة مكتب المجلس أمس.
وتوقع هذا المصدر ان يتم اتصال بين عين التينة والسراي لتحديد الموعد المتوقع بين 10 و17 نيسان، أي قبل عيد الفصح، الا إذا استقرت المشاورات ان تعقد الجلسة في النصف الثاني من نيسان، وتستمر ليومين، كما كشف عضو مكتب المجلس انطوان زهرا.
تمديد أو لا تمديد
وفي ما خص جلسة التمديد للمجلس، فقد كشفت مصادر نيابية ان الرئيس برّي يميل إلى إنهاء التمديد خلال شهر نيسان، أي بعد المهلة التي كان حددها في 18، تلافياً لاحتمالات الوقوع في الفراغ، خصوصاً إذا انتهت المهلة من دون التوافق على قانون الانتخاب، الا ان هذا الرأي ان التوجه يصطدم بموقف حاسم من الرئيس عون ومعه تكتل «الاصلاح والتغيير» برفض التمديد تحت أي شكل مقنع بالتقني أو غيره الا إذا جاء من ضمن التوافق على قانون الانتخاب الذي يفترض ان ينص في أحد بنوده على تمديد مؤقت للمجلس لكي يتسنى لوزارة الداخلية اجراء التحضيرات اللوجستية المناسبة للانتخابات النيابية، بعد تحديد موعدها في القانون.
ولم تستبعد المصادر ان تتركز جلسة مساءلة الحكومة حول سبب عدم التوصّل إلى مشروع قانون للانتخاب، في حين ان لجان الخبراء والتقنيين تواصل درس كل المشاريع المطروحة، بهدف التفاهم على مشروع، سواء كان هذا التفاهم جامعاً أو موسعاً، علماً ان قانون الانتخاب هو القانون الوحيد الذي يجب ان يُقرّ بالتوافق.
وفي هذه الحالة لا تستبعد المصادر نفسها ان يطرح الموضوع على مجلس الوزراء قبل انعقاد الجلسة النيابية والتصويب على مشروع قانون الانتخاب بحسب ما كشف وزير الخارجية جبران باسيل من عمان وقبل سفره إلى اوستراليا والتي سيبقى فيها اسبوعاً، وبالتالي يصبح إقرار القانون من مسؤولية المجلس.
وفي هذا السياق، كان لافتاً للانتباه في بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» التي اجتمعت أمس، قوله «إن القوى السياسية قد استنفدت الوقت الكافي في دراسة الصيغ المقترحة لقانون الانتخاب، وبات لزاما على الجميع التوافق خلال الايام القليلة المقبلة على الصيغة النهائية التي تكرس وتحمي العيش الواحد والمناصفة وتحقق صحة التمثيل وعدالته وفعاليته وشموليته».
واكدت «أن المصلحة الوطنية لكل مكونات البلاد تقتضي مقاربة وطنية مترفعه عن تفاصيل الاعداد والاحجام التي لم تكن يوما تشكل ضمانا لأي مكون من المكونات.مجددة القول إن النسبية الكاملة هي الصيغة التي تستجيب لمندرجات الدستور ووثيقة الوفاق الوطني وتمنح فرصا متساوية امام جميع المكونات خصوصا مع التزام المناصفة».
وسط هذه الصورة، كشف وزير المال في مؤتمر صحافي عقده في مبنى الوزارة أرقام موازنة العام 2017 كما هي، مشيراً إلى ان العجز انخفض من 9.3٪ إلى 8.7٪، وأن سلسلة الرتب والرواتب ستكون من ضمن الموازنة، كاشفاً عن تحسين الجباية وإيجاد مكامن ضريبة لا تشمل ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة، فضلاً عن مكافحة الهدر، مؤكداً ان لا هبات ولا قروض من دون رقابة وفقاً للأصول، متعهداً بتقديم مشروع قانون لقطع الحساب عن السنوات الماضية (راجع ص 6).
عقوبات أميركية
ومع ايجابيات الانفراج في العلاقات اللبنانية – العربية، واستمرار الاشتباك الرئاسي والحزبي حول قانون الانتخاب والتمديد للمجلس النيابي، فقد فرض الوضع الميداني في جرود عرسال والاشتباكات شبه اليومية في المنطقة نفسه بنداً ضاغطاً على الوضع اللبناني.
بالتزامن، تخوفت مصادر لبنانية من لجوء الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات مالية جديدة على «حزب الله» في إطار الأجواء الأميركية – الإيرانية المحمومة، وما كشفه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بعد لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره التركي مولود تشاويش اوغلو من تنسيق للحد من التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، في إشارة إلى الوضعين العراقي والسوري من غير استبعاد ان يكون حزب الله من ضمن إجراءات المواجهة مع إيران.
وربطت المصادر بين التحقيقات الجارية مع رجل الأعمال المتهم اميركياً بأنه قريب من «حزب الله» قاسم تاج الدين وبين ما يتردد من ان لائحة أسماء جديدة تسعى إدارة ترامب بفرض عقوبات جديدة عليها، في حين ربطت مصادر أخرى العقوبات المشار إليها بأنها محاولة للضغط على لبنان في ضوء مواقف رئيس الجمهورية التي وصفتها السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيث ريتشارد في حينه بأنها «غير مقبولة وغير مرضية».
واللافت ان هذه التوقعات تخالف مناخات القمة العربية، التي جاءت تهديدية سواء على صعيد العلاقات العربية – الإيرانية أو حتى بالنسبة للوضع اللبناني، حيث خلا البيان الختامي للقمة من أية إشارة ولو بالاسم إلى «حزب الله» كمنظمة إرهابية، أو غيرها من تعابير، وتضمنت مقرراتها بنداً طويلاً حول التضامن مع لبنان.
وهذا البند، وقبله خطاب الرئيس عون امام القمة، دفع كتلة «الوفاء للمقاومة» إلى تثمين الخطاب، معتبرة انه عبر من خلاله عن الموقف الوطني اللبناني، وانطوى على رؤية عميقة وعاقلة ووازنة بعيدة عن التملق والمحاباة.
اما «لقاء الجمهورية» فقد رحب، من جهته بعودة التضامن مع لبنان، ودعا جميع المعنيين إلى استكمال هذه الخطوة بالعمل على خلق شبكة أمان عربية تقي لبنان شر تهديدات إسرائيل من جهة وشر التكفيريين من جهة أخرى.
وأكد اللقاء ان «ما ورد في رسالة الرؤساء الخمسة الى رئاسة القمة العربية، جاء ليخدم القضية اللبنانية الحقة، ويعزز موقف الدولة اللبنانية القوية القادرة ذات السيادة على كامل أراضيها، ويذكر بحق العودة وبضرورة تحييد لبنان عن سياسة المحاور وعن الصراعات الاقليمية، ويحذر من جهة أخرى من مخاطر التهديدات الاسرائيلية ومن كثافة النزوح السوري الى لبنان».