قبل أسابيع من رحيله وبعد تردّي حاله الصحية جرّاء مرض التهاب الكبد الذي لم يحل دون مواصلته الغناء، أوصى المطرب عبدالحليم حافظ أقاربه، ومنهم شقيقه محمد وشقيقته الكبرى عليّة، أن يبقى منزله مفتوحاً دائماً لاستقبال محبيه.
واليوم خلال الاحتفال بالذكرى الأربعين لرحيل العندليب، تُفتح أبواب منزله أمام عدد كبير من الذين ردّدوا أغنياته، فالوصية التي تركها المطرب الكبير لأقاربه نصّت على الاهتمام بإرثه ومنزله، خصوصاً أن هؤلاء ربطتهم به علاقة متينة وكانوا يحيطون به نهاراً وليلاً ويرافقونه ويلتقطون الصور معه، هو الذي ظل عازباً بلا زوجة ولا أبناء.
ليس من متحف للعندليب غير منزله القائم في ضاحية الزمالك (غرب القاهرة) والذي لا يزال حافظاً لمقتنياته كما هي، ومنها مصحفه الذي كادت أوراقه تتآكل مع مرور الزمن وبهت لون علبته القطيفة وبات يترك أثراً على اصبع من يلمسه، وخزانة ملابسه التي تضم بذلات كان ارتداها في الأفلام والحفلات، وكذلك منشفته المطبوع عليها الحرفان الأولان من اسمه بالفرنسية (A H)، والمخدّة التي ألقى عليها رأسه المثقل من المرض على سريره. أما جدران البناية التي يقع فيها منزله فتحوّلت إلى لوحة كبيرة دوّن عليها محبوه عبارات حب ورثاء.
محمد شبانة ابن شقيقه والحاجة زينب ابنة شقيقته اللذان تجاوزا الأربعين، يشرفان على رعاية المنزل ويرافقان زائريه في جولة تختلط فيها مشاعر البهجة والأسى، ويساورهما قلق على مصير إسطواناته النادرة المهدّدة بالتلف والبيانو الخاص به المعرّض للخراب من شدة اللمس، لكنهما لا يردعان فضول الزائرين، فيصحبانهم في الجولة على أنحاء المنزل - المتحف.
وعلى خلاف بعض الفنانين الذين ضمت وزارة الثقافة المصرية مقتنياتهم في متاحف خاصة كمتحف السيدة أم كلثوم، لا يخضع منزل عبدالحليم لإشراف الدولة، وربما كان هذا الطابع غير الرسمي مثار الحميمية التي يلمسها زائرو المنزل وهم يلقون ترحاباً من أقاربه الحريصين على حفظ إرثه أكثر من موظفي الدولة، لكن هذا التغاضي الرسمي يجعل مصير المنزل بعد بضعة عقود عرضة للإهمال والخراب.
رسمياً، كانت وزارة الثقافة المصرية أحيت ذكرى رحيل العندليب بحفلة ضخمة في الأوبرا في 19 الجاري، وكرّمت فيها رفاق مسيرته من موسيقيين وعازفين وإعلاميين ربطتهم صداقة به، وكان من ضمنهم المطرب محمد شبانة نجل شقيقه، الحارس الأمين لمنزله والأكثر حضوراً في برامج تلفزيونية تتحدث عنه. وتقدّم دار الأوبرا المصرية حفلة غنائية مساء اليوم على مسرح سيد درويش في الإسكندرية بقيادة المايسترو محمد الموجي وتحييها نخبة من نجوم فرق الموسيقى العربية في الأوبرا.
وبعيداً من استعادات المناسبات لا يزال صوت العندليب حاضراً لدى أجيال عربية متعاقبة، خصوصاً أغانيه العاطفية المعبّرة عن الحب والفراق الحاضرين مهما تغيّرت إيقاعات الحياة اليومية.
تُوفّي عبدالحليم حافظ في 30 آذار 1977 في لندن عن 47 عاماً متأثراً بمرض التهاب الكبد الوبائي (فيرس سي)، وما ساء من حالته إصابته خلال طفولته بداء البلهارسيا بينما كان يستحم في ترعة قريته الحلوات في محافظة الشرقية.
(الحياة)