لم يكن فتح المعارضة السورية جبهة دمشق إلا رسالة اعتراض على عمليات التهجير الممنهجة التي تحصل للشعب السوري من بعض المناطق. بالإضافة إلى توجيه رسالة لإجبار النظام على القبول بالتفاوض الجدي، فإن الرسالة الأكبر كانت رفضاً من أبناء الأحياء الدمشقية ما يسميه النظام السوري "مصالحات"، وهو عمليات تغيير ديموغرافي في سوريا. وجاءت هذه المعارك تزامناً مع تنفيذ إتفاق خروج مسلحي وأهالي حي الوعر الحمصي إلى الشمال السوري.
كان لإنجاز إتفاق إخراج المدنيين والمسلحين من وادي بردى إلى إدلب ومناطق أخرى في الشمال، تأثير على تنفيذ إتفاق الإطار الذي وضع قبل سنتين بين المعارضة السورية وحزب الله، ضمن معادلة "الزبداني مضايا، مقابل كفريا والفوعة". وسهّل إخلاء قرى وادي بردى من سكانها الضغط من جانب الحزب على المعارضة، لإجبارها على إخلاء مدينتي الزبداني ومضايا من المسلحين والأهالي لنقلهم إلى ادلب، مقابل وقف إطلاق النار وإدخال مساعدات طبية وغذائية لمن يريد البقاء بلا سلاح في المدينتين، على أن تخضعا لسيطرة كاملة من الحزب والجيش السوري.
هذه المفاوضات لم تتوقف منذ فترة، تكثّفت حيناً وخفتت أحياناً، ومع كل تغيير ميداني كانت تعود وتتفعل، وهي أصبحت شاملة، بحيث لا تتعلق بإرساء الهدنة وإخراج المقاتلين والأهالي فحسب، إنما أصبحت تشمل مفاوضات لتبادل الأسرى والجثث بين حزب الله من جهة ومقاتلي جبهة فتج الشام من جهة أخرى. قبل فترة، كانت المفاوضات تجري بين الحزب وجيش الفتح الذي انضوى تحت لوائه كل من جبهة النصرة سابقاً، وحركة أحرار الشام، لكن بعد حلّ جيش الفتح، أصبح الحزب يفاوض الأحرار لاستكمال تنفيذ إتفاق الفوعة كفريا مقابل الزبداني ومضايا، ويفاوض النصرة (فتح الشام) على الأسرى.
ولاحقاً، اقترح الحزب فتح مفاوضات جديدة تتناول أوضاع القلمون، وإمكانية خروج المقاتلين من الجرود في اتجاه إدلب، مقابل إخلاء الحزب عدداً من القرى القلمونية على أن يعود اللاجئون إليها، بشرط أن يبقى الحزب هو المتحكم بالمعابر والطرق. لكن هذه الإتصالات اصطدمت باعتراضات عدة. ما أدى إلى عرقلتها. الآن، تجري المفاوضات ضمن هذه السلّة المتكاملة، وهناك دول تدخل على الخط، بهدف تثبيت الهدنة في تلك المنطقة لنحو السنة. وتشير مصادر متابعة إلى أن هذه المفاوضات تتقدم وإن ببطء، وتتوقّع توقيع إتفاق خلال الفترة المقبلة، إذا ما بقيت الأطراف موافقة على مندرجات هذا الإتفاق.
وعلمت "المدن" أن بنود هذا الإتفاق تتضمن إجلاء المقاتلين من مدينتي الزبداني ومضايا، وإمكانية إجلاء المدنيين باستثناء الذين يريدون البقاء تحت سيطرة الحزب والجيش السوري، مقابل إخلاء مدينتي الفوعة وكفريا، على أن يجري ذلك على مرحلتين خلال شهرين من تاريخ تنفيذ الإتفاق، وقف إطلاق النار لمدة تسعة أشهر، إدخال مساعدات غذائية وطبية إلى هذه المناطق. وتطالب المعارضة بضمانة لذلك، بالإضافة إلى إدخال مساعدات إلى حي الوعر الحمصي، وإطلاق سراح مئات المعتقلين من سجون النظام السوري، على أن يكون هذا البند في المرحلة الثانية من تنفيذ الإتفاق، بالإضافة إلى حصول تبادل للأسرى بين الطرفين.
سابقاً، حصل إتفاق مشابه في شأن هذه المناطق، إلى أن متغيرات عديدة، ميدانية خصوصاً، حالت دون تنفيذ كامل البنود، خصوصاً لجهة سماح حزب الله بإدخال المساعدات إلى الزبداني ومضايا، مع استمراره بالتضييق عليهما، وهذه التجربة تفرض على المعارضين التشدد والمطالبة بضمانات لا يمكن خرقها. وتطالب فصائل المعارضة بوجوب إنسحاب حزب الله بشكل كامل من الفوعة وكفريا، كي لا تشارك قواته هناك في أي معركة قد تفتح مستقبلاً من قبل النظام السوري على مدينة إدلب. وتلفت المصادر إلى أن هذه النقاط لا تزال عالقة والمساعي مستمرة لحلّها.