لا أحد يذكر متى كانت آخر قمة عربية أثارت إهتمام العرب وحبست أنفاسهم، وأخرجتهم وراء باعة الصحف وموزعيها، أو أقعدتهم قرب أجهزة الراديو، أو أمام شاشات التلفزيون. الثابت أن مثل هذه القمة المثيرة لم تنتمِ الى عصر الانترنت ولم تخترق وسائل التواصل الاجتماعي، وهي لم تشغل بالَ الجيل الجديد الذي قد لا يعرف ان القادة العرب ما زالوا يجتمعون في موعد سنوي محدد، في الربيع من كل عام، وفي عاصمة أو دولة تبادر الى إستضافتها وفق ترتيب أبجدي متفق عليه سلفاً.
لكن الانقطاع بين القمة العربية وبين الجمهور العربي، ليس مسألة هوة بين الاجيال، ولا هي فجوة بين الزعماء العرب وبين التكنولوجيا مثلا. ثمة خلل عميق في تقدير وظيفة ذلك المحفل العربي السنوي، الذي لم يعد يبدو ضرورياً على الاقل في الظرف الراهن بالنسبة الى جيل عربي كامل. وثمة خلل أعمق في تفسير وتبرير دور مؤسسة الجامعة العربية بل ووجودها أيضاً ، كمنصة كانت تختزل حلم العرب بقدر من الوحدة القومية وتوقهم الى العمل العربي المشترك، دفاعا عن الارض والحدود والهوية والثقافة المشتركة.
ليس هناك إتفاق على القمة الاخيرة التي ترسخت في وعي العرب وصاغت خطابهم السياسي لفترة طويلة. ثمة من يقول ساخراً أن آخر القمم العربية المهمة هي أولها التي انعقدت في العام 1945 . وثمة من يزعم انها تلك التي انعقدت في أعقاب حرب العام 1967 مع اسرائيل، او في أعقاب حرب الاردن في العام 1970، او في أعقاب حرب تشرين العام 1973 ، او في أعقاب الحرب الاهلية اللبنانية ، او في أعقاب حرب الخليج الاولى، او الثانية او الثالثة.. المتفق عليه هو ان الربيع العربي الذي إنطلق في مستهل العقد الحالي، أزاح القمة العربية من صدارة المشهد العربي، بعدما كانت قد تلاشت تباعاً طوال العقود السابقة، حتى صارت قراراتها "التاريخية" تسقط بعد ساعات من صدورها، وتُنقض حتى من قبل المسؤولين عن صياغتها، بعكس قرارات أتُخذت في الخسمينات والستينات وحتى السبعينات وشكلت خطوطاً عربية حمراء صمدت لسنوات عديدة.
القمة والجامعة كانتا في الاصل، مؤسسة للدفاع عن النفس في مواجهة عدو خارجي، إستطاع بالفعل ان يخترق الصف العربي ويمزقه ويصيبه بأضرار فادحة ويحقق مكاسب جوهرية على حسابه. وهو ما نقل الصراع الى الداخل العربي، حيث لا يزال مستمراً بأشكال مروعة تعبر عن نفسها في تصدع الوطنيات العربية وتفككها الى عناصرها الاولى السابقة للفكرة القومية، التي تبدو اليوم أنها كانت بالغة الطموح وبعيدة المنال.
وعليه كان من الطبيعي أن تخسر القضية الفلسطينية الأم مركزيتها، وان يفقد العدو الاسرائيلي تصنيفه الاول، وان يرفض الاسرائيليون عروضاً عربية متلاحقة للتطبيع ما كانوا يحلمون بها قبل ثلاثة أو اربعة عقود، وان تنحدر القمم العربية، وبينها قمة البحر الميت، من سقف قمة بيروت 2002 المتدني أصلاً ، الى مستوى توسل اسرائيل ان تدخل في تفاهمات وشراكات أمنية، بمعزل حتى عن عرض التطبيع! وعليه أيضاً كان من الطبيعي ان تتحول إيران من دولة متواضعة ومحاصرة الى دولة إمبراطورية لا تغيب الشمس عن مستعمراتها العربية، وأن تصبح دولتها الدينية المذهبية الضعيفة، التي لا تحظى في الاصل بمباركة الغالبية الشعبية الايرانية، سبباً لإطلاق أسوأ وأخطر التنظميات الارهابية الاسلامية.. وكأن التاريخ ما زال عالقاً عند الامام الخميني الذي كان ظهوره وإنتصار ثورته عنصراً مساهماً في تدمير الفكرة العربية، وفي تحفيز كل رجل دين عربي (سني أو شيعي) على أن يتحول من شيخ جامع الى قائد ثورة وزعيم شعب ومحرر وطن! قمة البحر الميت تستمد معناها من مكانها الخفيض.موات القمة لا يقتصر على حقيقة أن العدو الاسرائيلي لا يحترمها، ولن يقبل عروضها الجديدة، والخصم الايراني لن يأخذ قراراتها على محمل الجد، والمتابع التركي يقف حائراً إزاءها، والمراقب الاجنبي يشيح النظر عنها:هي قمة عربية زائلة، ذات رسالة بائدة، رسالة "النظام العربي القديم"الذي يرفض ان يفسح المجال لأي بديل.